فهد عبدالله الغانم السبيعي
الطائرة الرئاسية التي تقل الرئيس الأمريكي السيد/ جو بايدن والتي ستقوده إلى جولة شرق أوسطية هي الأولى منذ استلامه مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تشمل إسرائيل والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية.. هي جولة الظروف الصعبة والتحديات المتسارعة. في ثلاثية لم تحصل من قبل: توقيت حساس، وعالم غير مستقر، وعلاقات متوترة.
في المحطة الأولى سيجد بايدن نفسه بين طلبات إسرائيلية ععقدة وستطرح أمامه ملفات إقليمية وأمنية يأتي في مقدمتها التهديد الإيراني وبرنامجه النووي المثير للجدل. من أجل كبح جماح إيران وطموحاتها التوسعية ودعهما للميليشيات المتعددة.
وعندما تحط الطائرة عجلاتها على مدرج المطار السعودي والمحملة بملفات بايدن الساخنة التي تم إعدادها في واشنطن وما تبقى إلا مناقشتها مع نظرائه السعوديين (الملك وولي عهده - حفظهما الله) وبحضور أعضاء الوفدين الرسميين الممثلين للبلدين الصديقين, هذه ملفات لا تقل سخونة عن رمال السعودية وأشعة شمسها الملتهبة. ورغم كل هذا فسوف يخالج الرئيس بايدن شعور وهو يهبط من على سلم الطائرة الرئاسية وهو بالطبع سيكون متحررًا من بعض الضغوطات السياسية والإعلامية الأمريكية، أنه أمام حليف كبير يُعتمد عليه ولا يجب أن يبغضه ولا يغضبه. وبعكس ما يتوقع فالسعوديون سوف يصغون له وحديثه حتى النهاية بقمة جدة التي ستحتضن المباحثات المهمة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وعندما يجلس الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظهما الله - وجهًا لوجه لن يستغنى بلد عن البلد الآخر، وسوف يساعدون بعضًا من أجل إنجاح هذه الزيارة وبزوغ فوائدها المثمرة على البلدين الصديقين وعلى دول المنطقة كافة.
العلاقات السعودية - الأمريكية:
لقد وصلت العلاقات السعودية - الأمريكية منذ تولي الرئيس بايدن قبل 18 شهراً تقريبًا درجة من الجفاء والجمود والقرارات المستعجلة أمريكياً أثرت على طبيعتها وسابق عهدها طوال عشرات السنين. كما أن الضغوطات التي تمارس على الرئيس ضد المملكة، وزادت وتيرتها بعد دعوة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - الرسمية له لزيارة المملكة، خصوصاً من قبل بعض أعضاء حزبه (الديمقراطي) من مجلس الشيوخ الأمريكي.
البلدان يشكلان وجهين لعملة واحدة تسودها الثقة والاحترام المتبادل، والمضي قدمًا في تعزيز المصالح المشتركة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وتقوية العلاقات الثنائية وترسيخها لتصبح مثل ما قبل وأكثر، تقاربًا وليس تباعدًا، تعاوناً وليس جفاءً وتحمل الكثير من المعطيات الإيجابية المثمرة.
نعرف يا سيادة الرئيس أن لديكم مهامًا ذات أمور جسام تحمل الكثير من الملفات منها ما هو يخص الوضع الداخلي في أمريكا من ارتفاع أسعار النفط وموضوع التضخم، وكذلك الأوضاع الخارجية المستجدة. لكن رغم ذلك خصص سيادتكم وقتاً ثميناً ورائعاً لزيارة بلد صديق وحليف لكم.
الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأقوى في العالم بلا شك في المجالات كافة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتمتلك نفوذاً لا حدود له. تأتي زيارتكم هذه المرحب بها في وقت أدار فيه البعض ظهره لهذه المنطقة رغم شراكة ممتدة لسبعة عقود من التعاون المثمر في منطقة تعتبر من أكثر المناطق حيوية في العالم.
من هذا المنطلق يجب أن نخفف من حدة التوتر بين البلدين والابتعاد عن ما يعكر صفو العلاقات السعودية - الأمريكية.. يجب أن تقف هذه العلاقة ضد كل التحديات الماثلة أمامها لتصبح متميزة. فبلا شك مرت هذه العلاقات بأوقات صعبة وظروف استثنائية ولكنها لم تحد عن الهدف الأسمى التي يراد لها ألا وهو الثقة المتبادلة والاحترام الكامل وتقدير ظروف كل من الآخر مع الشفافية والمصارحة والاعتراف بشكل صريح عن ما تقوم به القيادة السعودية ممثلة بالملك وسمو ولي عهده - حفظهما الله - بدعم الدور المحوري التي تقوم به المملكة منذ إنشائها وحتى اليوم، فهي مصدر استقرار وأمن لدول المنطقة ومصدر آمن لانسيابية الطاقة لأهمية الاقتصاد العالمي والمحافظة على التوازن الإستراتيجي في أوقات الأزمات التي مر فيها العالم من قبل. واليوم هناك ظروف استثنائية تتمثل في (الحرب الروسية - الأوكرانية والعقوبات الغربية التي فرضت على روسيا بسبب هذه الحرب، وارتفاع أسعار النفط، والوضع المتوتر بين الصين وتايوان، وهناك الكثير من الظروف الجانبية ولكنها أيضاً مهمة تقتضي التعاون والتنسيق من أجل سلام يعم العالم بأسره.
المملكة لها راية بيضاء في المجالات كافة ولا يمكن إغفال دورها الرائد في استقرار أسعار النفط رغم أنه كان أحياناً ضد مصالحها ومكتسباتها الوطنية. ورغم ذلك لها تاريخ مشرف في أزمات وتوترات مرت على المنطقة يعرفها القاصي قبل الداني. المملكة حليف للولايات المتحدة الأمريكية طوال 8 عقود ولا تزال لم تتزحزح. وخلال سنوات مضت تخللتها أزمتا الخليج وحرب العراق، وحتى في الظروف الاقتصادية الطارئة التي ضربت الاقتصاد العالمي. ولكن هذا الأمر بات واقعًا ومنذ أمد بعيد. فخلال الحرب الباردة أصبحت المملكة وفية في تحالفها مع أمريكا، وأدارت ظهرها لجميع التحالفات والتكتلات الأخرى المناهضة للولايات المتحدة ووقفت إلى جانبها عندما زود المؤسس -طيب الله ثراه- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل الحلفاء بالنفط خلال الحرب العالمية الثانية. هذا الأمر مكّن الولايات المتحدة من الاحتفاظ على نفطها في الاحتياط. وفي المقابل أدخل الرئيس الأمريكي الراحل روزفلت المملكة في برنامج الإقراض والتأجير. هذا ما ذكرته مجلة «النيوزويك» الأمريكية عبر مقال كتبه المسئول السابق في البنتاغون السيد/ مايكل روبن، الباحث في معهد «أمريكان إنتر برايز» في عام 2016م. وسارت المملكة على هذا المنوال عبر كل من تولى الحكم في المملكة من أبناء المؤسس البررة وحتى العهد السلماني الميمون.
سيد بايدن:
بين أيديكم طموحات وآمال مع نظرة مستقبلية راسخة لهذه المنطقة، وهناك ترحيب عربي وإسرائيلي بالزيارة، وحذر إيراني.
لكن هناك يا سيد بايدن ملفات ذات شؤون دولية ومنها مواجهة روسيا ومنافسة الصين، فأين ستقف بعض دول هذه المنطقة من تلك التداعيات التي ربما تتقاطع مصالحها معها إلى حد بعيد. فالمملكة العربية السعودية تفضل أن لا تضع بيضها في سلة واحدة فنأمل أخذ ذلك في الاعتبار، والتفكير به بتعمق. نريد علاقة ناصعة البياض مع الولايات المتحدة وليس شيكاً على بياض، كما أننا لا نريد أن نركب بالمجان، فمواردنا الحيوية تساعدنا على المضي قدمًا في اختيار الوسيلة المناسبة التي تستمع إلى وجهة نظرنا بكل احترام وتقدير.
إن أغلب القضايا التي تثار عن المملكة في الولايات المتحدة الأمريكية سواء حاضراً أو ماضياً في غالبيتها تنظر من جانب واحد وهو مصلحة أمريكا، وتغفل الجانب المهم الآخر وهو ما يتعلق بمصالح المملكة.
لقد انشغل ولي العهد محمد بن سلمان وبدأ مبكراً في رسم وضع المملكة العربية السعودية في المستقبل عبر رؤيته المباركة (2030) والتي تمضي الآن في طريقها عبر الجوانب كافة والمكونات (تنموية واقتصادية واجتماعية)، ورغم هذه المسؤوليات، أمر الملك ولي عهده بإعادة رسم هيكلة هذا الجهاز وتطويره، هذا من ناحية.
والسؤال ماذا بقي من شيء لإثارته وتقديمه للرأي العام سواء السعودي أو الأمريكي أو العالمي سوى تصريحات غير مسئولة هناك مع بث تقارير إعلامية تريد فقط النيل من المملكة والقفز على العلاقات المتجذرة والراسخة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وخلق الأزمات حيث تنشر بعض الصحف والمواقع الأمريكية الكبرى أخباراً ملفقة عن المملكة وفي غالبيتها هجومي ومغرض تبث الأكاذيب وتنشر الصور الكاريكاتورية بهدف أن تحقق هذه الصحف والمواقع شهرة على حساب المملكة العربية السعودية، ومع ذلك وقفت المملكة وقيادتها كالجبل الشاهق الذي لا يهزه ريح، أما الكمال فهو لله سبحانه وتعالى.
جولة الرئيس بايدن هي واضحة المعالم وكُشف الجزء الأكبر من أجندتها عندما ظهر بعض سطورها على صفحات صحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية مؤخراً، فهناك مباحثات مع الحكومة الإسرائيلية التي يرأسها رئيس الوزراء الجديد يائير لابيد والتي يأتي في صلبها موضوع إيران وبرنامجها النووي ورغبة إسرائيل وإلحاحها بأن تقف الولايات المتحدة بحزم ضدها. وتريد إسرائيل من إيران أن تنأى بالنفس، وتهتم في شؤونها الداخلية، وعدم تصدير أزماتها، أيضاً ترى إسرائيل -وهذا هو حاصل بالفعل - بأن إيران تقف وراء حزب الله اللبناني، وتدعم حركة حماس الفلسطينية، والانقلابيين الحوثيين في اليمن، وهذا ما لا يدع مجالاً للشك فيه..
سيد بايدن:
بالطبع أنت ضيف المملكة الكبير، وعندما أعلن البيت الأبيض عن جولتكم الشرق أوسطية والتي من ضمنها المملكة العربية السعودية، ساد الغموض والتكهنات مصيرها، وما هو الهدف منها، وكيف ستصبح والى أين ستصل وما هي الكيفية والطريقة المثلى للتعامل مع ملفات حساسة تحملها وما سوف تتمخض عنه، لكن مقالكم الذي نشرته صحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية أوضح الكثير من المفاهيم والمعاني بغض النظر من أن نتفق أو نختلف مع بعضها، لكنها جاءت في وقتها، وبالتالي كمواطن سعودي قبل أن أكون إعلاميًا فأنا متفائل بأن لقاء جو بايدن - سلمان بن عبدالعزيز - محمد بن سلمان بن عبدالعزيز قادر -بإذن الله- على تجاوز أصعب التحديات والوصول إلى درجة الإقناع والسير بالعلاقات الثنائية إلى بر الأمان لتتحقق الفائدة المرجوة لمثل هذه الزيارات التي تحمل في طياتها (الحلم والأمل) لمنطقة الشرق الأوسط واكتسبت زخماً إعلاميًا واهتماماً غير مسبوق.
إن الحوار المتبادل عبر الدبلوماسية في وقتنا الحاضر هو أقرب السبل لتقريب وجهات النظر، وتفتقد إليه بعض الدول التي عمتها الأزمات والاضطرابات مما جعلها رهينة للآخرين.