عبدالرحمن الحبيب
تعداد البشر لم يصل إلى مليار نسمة حتى القرن التاسع عشر، لكن العدد تنامى بعد ذلك بسرعة مضاعفة. تمت إضافة مليار ثانٍّ بحلول عشرينيات القرن الماضي.. في يوم 11 يوليو 1987 بلغ عدد سكان العالم خمسة مليارات نسمه تقريباً، واستلهاماً من ذلك اليوم أعلن يوماً عالمياً للسكان حسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي أوضح أنه بحلول نوفمبر القادم، سيكون عدد سكان العالم ثمانية مليارات نسمة، ويرجع السبب الرئيس في النمو الهائل إلى التطورات في الطب والعلوم والتكنولوجيا خلال القرن العشرين..
هذا الانفجار السكاني صاحبه الكثير من القلق، وسبق أن حذر كتاب «القنبلة السكانية» لبول إيرليش (عام 1968) من مجاعة عالمية تلوح في الأفق حين كان السكان بين ثلاثة وأربعة مليارات، وتكاد تتفق حوله الدراسات، نظراً للصعوبات الاقتصادية والتحديات البيئية التي يواجهها كوكب الأرض والضغوط على موارده الطبيعية، فانخفاض عدد السكان سيقلل الضغط على الموارد الشحيحة، وتتراجع الأضرار البيئية.
لكن هناك من يعارض هذا الطرح بحجة أن ثمة أضراراً من انخفاض عدد السكان مثل وجود فجوة عمرية مع زيادة نسب الشيخوخة حيث تميل معدلات الخصوبة إلى مزيد من الانخفاض إلى ما دون معدل الإحلال أي أقل من 2.1 طفل لكل امرأة، وسيكون التوزيع السكاني غير متكافئ في بعض البلدان، في شرق آسيا وأوروبا الغربية، مع المزيد من تنامي نسب الشيخوخة.
إذ يشير تقرير اليوم العالمي للسكان إلى أن معدل النمو السكاني الآن أبطأ منذ عام 1950، ومن المقرر أن يصل إلى ذروته في حوالي عام 2080 عند تقريباً 10.4 مليار نسمة ثم يتناقص، رغم أن دراسات كثيرة تشير إلى أنه سيكون أبكر من هذا التاريخ لأن معدلات الخصوبة آخذة بالانخفاض على مستوى العالم.. ويذكر التقرير إن عدد السكان في 61 دولة سينخفض بنسبة 1 % على الأقل بحلول عام 2050.
ومن المتوقع أن تصبح الهند أكبر دولة بالعالم من حيث عدد السكان، العام القادم، متجاوزة الصين التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة. وكان لوباء كورونا تأثير كبير فعلى سبيل المثال تراجعت نسبة المواليد بنحو 15 % بالصين عام 2020، كما سجلت أمريكا انخفاضاً بنسبة 15 % في الولادات الشهرية بين فبراير ونوفمبر من العام قبل الماضي. ونتيجة لذلك، ربما يكون الوباء قد قدم التاريخ المتوقع لذروة تعداد سكان العالم.
هناك من حذر من انخفاض سكان الأرض في كتاب الكوكب الفارغ «Empty Planet»، الذي نُشر عام 2019 قبيل وباء كورونا، كتب الصحفيان الكنديان داريل بريكر وجون إيبتسون أنه مع انخفاض معدلات الخصوبة في بلدان الاقتصادات الغنية والصاعدة، ستميل بالنهاية إلى مزيد من الانخفاض لما دون معدل الإحلال. الآن، يعيش ما يقرب من نصف سكان العالم في بلدان تقل معدلات الخصوبة فيها عن مستويات الإحلال. باستثناء انعطاف ديموغرافي غير متوقع، فمن المرجح أن يحصل انكماش سكاني عالمي (الإيكونيميست).
قد يكون تقلص عدد سكان العالم أمراً إيجابياً من الناحية الاقتصادية، لكن تشارلز جونز، الخبير الاقتصادي في جامعة ستانفورد لديه رأي آخر وفقاً لورقة بحثية صدرت في أعقاب تأثيرات وباء كورونا على السكان، مخالفة كافة التوقعات حول علاقة النمو الاقتصادي بعدد السكان؛ خلاصتها أن الآثار الاقتصادية الإيجابية على المدى الطويل نتيجة تقلص عدد السكان قد يتم فقدانها بسبب انخفاض القدرة الإبداعية للبشرية؛ فإذا كانت الأفكار هي ما تدعم النمو الاقتصادي وكان الناس مصدر الأفكار، فإن مصير جنسنا البشري يعتمد بشكل حاسم على الاتجاهات السكانية طويلة المدى.
تتمثل فكرة جونز أنه في العديد من النماذج يكون النمو الاقتصادي مدفوعاً باكتشاف الأشخاص لأفكار جديدة تفترض عادة إما ثباتاً أو تزايداً في عدد السكان. ومع ذلك، في البلدان ذات الدخل المرتفع اليوم، تكون الخصوبة بالفعل أقل من معدل الإحلال. ماذا يحدث للنمو الاقتصادي عندما يصبح النمو السكاني سلبيا؟ في النماذج القياسية، يتبين أن لهذا آثاراً عميقة: فبدلاً من استمرار النمو المتسارع، فإن مستويات المعيشة ستكون راكدة عندما يتقلص عدد السكان.
لقد مكّن التقدم التكنولوجي من تحقيق نمو مطرد في الدخل الحقيقي للفرد على مدى القرنين الماضيين حتى مع ارتفاع عدد سكان العالم. هذا التقدم التكنولوجي يعتمد على الأفكار الجديدة التي في حال غيابها سيتوقف النمو في النهاية. في غياب التقدم التكنولوجي، تصبح المصادر الخام أكثر صعوبة وأكثر تكلفة بالنسبة للتعدين وعدد أقل من المهام المطلوب القيام بها.. فالأفكار الجديدة تسمح للاقتصاد بالقيام بالمزيد بموارد أقل أو خلق مهام جديدة ذات قيمة لتشغيل العمالة ورأس المال.
باستخدام نموذج بسيط، يقترح جونز أن العالم قد يواجه نتيجتين محتملتين في المستقبل. إذا استقرت الخصوبة عند مستوى عالٍ بدرجة كافية، فإن سيناريو «الكون المتوسع» في انتظاره، حيث يرتفع مخزون المعرفة والسكان والدخل جميعًا إلى الأعلى باستمرار. بدلاً من ذلك، يمكن أن تؤدي دورة انخفاض عدد السكان وانخفاض خلق الأفكار إلى نتيجة «كوكب فارغ»، حيث تتراجع مستويات المعيشة حين تتضاءل أعداد السكان (الإيكونيميست).