قال الله تعالى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} سورة الرحمن (26-27).
بقلوب مفعمة بالحزن والأسى انتقلت إلى رحمة الله تعالى المرأة الصالحة وأم الحنان والإحسان (خالتي) حصة بنت محمد الحكير (أم عبد العزيز الكريديس) يوم الثلاثاء الموافق 12/ 12/ 1443هـ، والحقيقة إن القلم يعجز عن التعبير, واللسان عن الكلام، وإن القلب ليحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي الله -عز وجل-: الحمد الله على قضائه وقدره.
من سنن الله -عز وجل- أن هذه الحياة لا تدوم ولا تصفو لأحد مهما كان فلا بد من الرحيل ومغادرة هذه الدنيا الفانية لقوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} سورة آل عمران:57، منهم من يرحل ويرحل معه ذكره, ومنهم من يرحل جسدًا وتبقى سيرتهم النيرة حاضرة بين محبيه وفي قلوبهم بمآثرهم وأعمالهم الصالحة وبنقاء سريرتهم وحسن الأخلاق والفضيلة.. وخالتي الراحلة (أم عبد العزيز) رحلت إلى دار النعيم.. دار الفردوس الأعلى من الجنة، وبقيت سيرتها محفوظة في الذاكرة والوجدان. ولا غرابة من ذلك فسيرة (فقيدتنا الغالية) تمثل جسرًا كبيرًا في فهم طبيعة المرأة السعودية في (الماضي الجميل) نساء عابدات.. صالحات.. تقيات.. عفيفات.. يخفن الله في السر والعلن.. وفي جوانب حياة (الراحلة) -غفر الله لها- تلك الروح الكبيرة والقلب المنيب, وجمال التقوى والصلاح التي كانت تتمتع بها -رحمها الله- مع حزمها وتدينها وهي روح الطرافة والدعابة وزرع الابتسامة لمن حولها وتضفي على زوارها ومحبيها شيئًا من الفرح والسرور والسعادة التي تدخل القلب بعفوية ونقاء السريرة وجمال تلك الدعابة والطرف عن حياة الأولين التي ترويها لنا عند زيارتنا لها مع الوالدة موضي -رحمها الله- وعن نساء زمان وبساطة وعفوية حياتهن الاجتماعية؛ ولذلك كان حتى الصغار والأحفاد يفرحون عندما يلتفون حول (جدتهم), يشبعون عواطفهم ويعيشون أجواء فرائحية قبل أن يغلق هذا (الباب) برحيلها بعد حياة كانت عامرة بالطاعات والعبادات.
* نشأت فقيدتنا الغالية (أم عبد العزيز) في كنف والدها الشيخ محمد بن فهد الحكير ووالدتها -رحمهما الله- فأحسنا تربيتها التربية الدينية الحميدة، وتنشئتها التنشئة الاجتماعية السليمة التي انعكست على قيمها الإيمانية الصادقة ومنهج حياتها التربوي والديني القويم.. فكانت -رحمها الله- مدرسة من الإحسان وحب الخير والعطف والحنان.. بقلبها الكبير الذي احتوى الجميع من الأقارب والأحباب, وكانت تستقبل الناس في نخل «آل كريديس» نخل الشيخ فهد بن كريديس -رحمه الله- أيام كان وزيرًا للملك سعود -طيب الله ثراه- للشؤون الخاصة, وكان هذا النخل أيامها والمرحوم زوجها سعد بن فهد الكريديس مشهورًا بوجودها ووجود الشيخ سعد والعم عبدالرحمن بن كريديس -رحمها الله- وكان ملتقى الجميع من الأقارب والعوائل.. وقبلة في كل عيد وكل يوم جمعة تستقبل الكبير والصغير وتتواصل مع الجميع, بنفس طيبة, وقلب كبير, وروح نقية, وكانت وزوجها يقضيان شهر رمضان في مكة المكرمة وفي أيام الحج وكانت نموذجًا للمرأة الصالحة, وإن شاء الله البركة في أبنائها في التواصل وهم بذرة لوالديهما الكريمين.
وأتذكر عندما كنت أزورها مع الوالدة موضي -رحمها الله- كانت تسأل عن العائلة.. عن الصغير والكبير ولا أنسى كلماتها التربوية وحثها على الطاعات, فقد كانت سباقه في البذل والإنفاق والحرص على الصدقة في الخفاء والتواصل مع الجيران.. تحب الجميع صغارًا وكبارًا تشارك الأمهات همومهن وأحزانهن وتتفقد أحوال المحتاجين منهن فكانت -رحمها الله- الأم الحنون لأفراد العائلة.
نعم كانت الخالة (الراحلة) كريمة.. سخية.. متواضعة أحبها كل من عرفها عن قرب، سواء داخل نسيجنا العائلي أو خارج محيطنا القرابي غير أن رحيلها ترك في القلب لوعة، وفي النفس حسرة، وفي نبرات الصوت غصة.. ولا نقول إلا إنا لفراقك يا (أم عبد العزيز) أم الحنان والإحسان لمحزونون.. وعزاؤنا في لوعة الفراق أن (فقيدتنا الغالية) كانت امرأة صالحة، صبرت على مرضها ومع شدة السقم والمرض والابتلاء كانت مدرسة من الصبر والاحتساب والإيمان لقضاء الله وقدره؛ لم تفارقها الابتسامة والبشاشة عندما يزورها الأبناء والأقارب وكل من أحب هذه المرأة الصالحة.. ولأن الإيمان كما يقول الإمام (ابن القيم) -رحمه الله- نصفان.. نصف شكر ونصف صبر، فقد كانت الراحلة كثيرة الشكر والحمد في كل حال.. ومتمسكة بحبل الصبر المتين.
أسأل العلي القدير أن يجعل ما أصابها تكفيرًا للخطايا، وتمحيصًا للذنوب، ورفعة لدرجاتها.. اللهم إن والدتنا (حصة الحكير) في جوارك فأكرمها بكرمك وارحمها برحمتك.. فأنت الكريم الرحمن.. المنان.. الرحيم.. وأخيرًا نقول: إن العين لتدمع والقلب ليحزن على فراقك.. يا أم الحنان والإحسان ولا نقول إلا ما يرضي ربنا العظيم.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- ماجد بن عبدالمحسن الحكير