رمضان جريدي العنزي
الكل يحترم الإنسان صاحب الوجه الواحد، واللسان الواحد، والوجه الواحد، والموقف الثابت الواحد، الذي لا يداهن ولا يتملق ولا يتلون ولا يميل حيث تميل الريح، لا يمدح نفسه ولا يحاول الارتقاء بها والتسوق لها، لا يضرب لها الدف، ولا ينفخ لها المزمار ليل نهار، ولا يرقص لها رقصة الجنون، ولا يمارس لها الدعاية المخالفة لمعالجة النقص البائن لنفسه المثقوبة. إن الإنسان الواثق من نفسه لا يمارس هذا العمل مطلقًا، بل يمقته ويلفظه ويزدريه. إن الإنسان السوي يضع نفسه دائمًا بالمنزلة التي يرتضيها، يمارس الهدوء والوقار والكلام الرزين، ويتسامى عن الزلل والخطايا، ويرتقي بنفسه عن الضعف والتذلل والهوان، ويبتعد كليًّا عن التعالي والتكبر والغلظة، ويرتفع عن التميع والتبرقع، يمارس الصمت، وإن تكلم تكلم بحكمة تنتج عنها فائدة. إن الذين يجيدون المظاهر الخادعة، يتحلون بها ويتدثرون، يملكون العاهات الكامنة في نفوسهم، وحتى ابتساماتهم العريضة صفراء، تخفي وراءها أحقادًا دفينة، ونوايا خبيثة، ومن هنا قال الشاعر:
لا يغرنك مظهر مستعار
فكثير من الأصحاء مرضى
لا يشترط في المرض أن يكون فتاكًا كالسل والسرطان والطاعون، بل سواد القلب من أفظع وأشنع وأخطر وأفتك الأمراض قاطبة، وسواد القلب عنوان للممارسة السوء والشر على الآخرين. إن أصحاب المظاهر اللطيفة والنوايا الخبيثة لا يسهمون بالخير مطلقًا، بل بالشر مطلقًا، نفوسهم تنطوي على حب الذات الفظيع، يتجاوزون حدود الطبيعة بكثير، لا يملون ولا يكلون عن التملق ومحاولة الكسب والتكسب والاستحواذ حد التخمة، ما عندهم حب حقيقي، ولا ود حقيقي، ولا صحبة وفية، تنتهي عندهم هذه الأشياء النبيلة حال الحصول على مبتغاهم ومرادهم، لا يعرفون سقفًا للتوازن والاعتدال، وعندهم رغائب محمومة، وشهوات عارمة، وطمع لاهب، ولؤم واسع، إنهم حمقى، تسلحوا بالغل والحقد والحسد والضغينة، إنهم فيروس المجتمع، مهامهم الرئيسية الهمز واللمز والوشاية، إنهم يعشقون ذلك، ويتكسبون من ورائه المال والجاه والشهرة، وهذا يعني أن ميزانهم الأخلاقي مضطرب، الحقيقة عندهم غائبة، والسليقة معوجة، والمفاهيم ممسوخة، والمسلّمات كاذبة، والثوابت متحركة كالريح والرمل.