رمضان جريدي العنزي
جاء الدين الإسلامي القويم بتعاليم واضحة وصريحة شفافة ونقية، وبلسان عربي مبين، جاء ليحمي مصالح الناس وحقوقهم وينظم حياتهم الشخصية والاجتماعية، ويصلح الأفكار الجاهلية التي تعشش في العقول، وتستوطن الأفكار، لقد جاء الإسلام على يد نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن العتمة إلى الضوء، وليطرد العصبية الجاهلية ويمحو عاداتها وتقاليدها وطبائعها الضيقة، ولينقل الإنسان إلى فضاء أرحب من الإنسانية والقيم الأخلاقية، ويجعلها فوق أي اعتبار قبلي أو طائفي أو مناطقي، وأنه لا فرق بين عربي وأعجمي، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين أحمر وأصفر إلا بالتقوى، منتصراً بذلك على آفة العنصرية الجاهلية البغيضة، أن الإسلام جاء ليكرس حق المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات، وتكريس قيمة الفرد كإنسان، كرمه الله وحمله في البر والبحر، لكن وبعد أكثر من 1443 عاماً، من هذا النور المبين، والشعاع المضيء، فإن كثيراً من المجتمعات العربية لم تحافظ على هذا الإرث الجميل النقي، وهذا السجل الثمين، بل عادت للعصور الجاهلية الأولى بكل قوة، وأخذت تمارس الفلتان في المسميات والتصنيف والترتيب والتهميش، ورجعت تتعصب لأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، إنه واقع حي تعانيه المجتمعات العربية وتئن تحت وطئته، تشد وتخف حسب الظروف والمعطيات، إن الشرع الحنيف يمقت بالجملة هذه العصبيات، بل يلفظها لفظاً، ويطرحها أرضاً، ولا يلقي لها بالاً، أن الشريعة الإسلامية، أوضحت مقياس التفاضل بين الناس والحكمة من الاختلاف بين البشر، في قول الله تعالى بسورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، في تربية أصحابه على نبذ العنصرية في شتى المعاملات الاجتماعية، ولكننا وعلى الرغم من أننا نعيش في الألفية الثالثة، وفي عصر الفضاء، والتكنولوجيا الفائقة، ما زالت تقبع في بعض النفوس العادات والتقاليد السيئة، والنزعة العنصرية المقيتة، مسممة بذلك الأفكار والعقول، ومخالفة شرع الله -تعالى- ومنهجه السليم، إن الإسلام جاء بتعاليمه الكاملة، وتوصياته الواضحة، وتشريعاته البائنة، على أساس الرحمة والعدل والمساواة والمودة والحقوق والوجبات الواحدة، فكيف بعد هذا بالعقل والمنطق لعقل بشري أن ينتصر للأعراف والتقاليد، وهدر كرامة الإنسان وحقوقه، ويتغافل عن منهج السعادة في الدارين، إن على المجتمعات العربية العودة الكاملة لهذا الشرع الحنيف، والتقيد التام بتعاليمه وتوصياته، بعيداً عن نرجسية الذات والعشيرة والمنطقة، ظلامها وعتمتها، على كل أفراد المجتمعات العربية إحياء هذا الشرع، ونشر ثقافة المساواة بين الناس، ونبذ التعالي على الآخرين، وتصنيفهم بما لم ينزل الله، وبما لم يقوله رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ولا صحابته ولا التابعون لهم، ومصداقاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كلكم لآدم وآدم من تراب).
الناس من جهة التمثيل أكفاءُ
أبوهمُ آدمٌ والأم حواءُ
نفسٌ كنفسٍ وأرواحٌ مشاكلةٌ
وأعظمٌ خلقت فيهم وأعضاءُ
فإن يكن لهم من أصلهم نسبٌ
يفاخرون به فالطين والماءُ
لقد عطبت بعض عقول الناس، وسلكت مسلكاً باطلاً، غير مستقيم ولا سوي، فإذا هم يرفعون بعض الخلق ما لم يأذن الله برفعه، ويخفضون آخرين دون دليل ولا حجة، وليس على مبدأ التقوى كما أمر الدين، بل على مبدأ المآرب والمبتغيات والأهواء، لقد اختلت الموازين في هذا الجانب، واختلط البهت والتزييف والتخريف والتأليف، لقد تشربت بعض النفوس كثيراً من الكبر والتعالي والتسامي بلا سبب يوجب ذلك، وغداً منطق الكثير منهم مخالفاً للحقيقة ومجحفاً لها، إن الفروق الاجتماعية رفضها الإسلام مطلقاً، وأعادها الإنسان نفسه كونه ظلوماً جهولاً، لكن مهما طغى الإنسان وتكبر وتجبر فلن يتميز بغير التقوى، ولن يظفر بمبتغاه ومراده، وإن ظفر بها في الدنيا فلن يظفر بها في الآخرة، لأنه خالف المنهج والتعليم، لقد مسّ البعض مرض إدمان التماجد والتفاخر دون أعمال حية ومشهودة فيها خير للإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء، بل اتكأ على ماضٍ دفين، له ما له وعليه ما عليه من ظلم وجهل وسخم وسفك للدماء دون وجه حق، إن الله -عز وجل- سيرفع القدر ويعلي الذكر وينجي من العذاب ويورث النعيم يوم القيامة على أساس التقوى، وليس على أساس عنصرية بغيضة، إن على المجتمع كله أن يعي تماماً أننا نعيش في دولة مدنية متحضرة، أخذت تلفظ كل موبقات الحياة التعيسة، والروايات الباهتة، والتلفيقات الكاذبة، والأقوال القاصرة، سنت القوانين، ودونت الأنظمة، وأبانت الحقوق والواجبات، متجاوزة بذلك مرحلة العشيرة والقبيلة والمنطقة، والتي لم تعد شيئاً مذكوراً، إننا في عالم متسارع في علمه واختراعاته وتقنياته وعلومه الحديثة وتقاربه وتعايشه، ولن ينفعنا ماض أغبر تليد، من غير حاضر قويم يستوعب تغيرات الحياة ومفاهيمها، فهل يدرك البعض من الناس هذه الحقيقة ممن انتفخت أوداجه بالعنصرية النتنة، وتطاول بعنقه بها، وتمايل معها يمنة ويسرة، إنه خلق من تراب، وسيعود إلى تراب، ولن ينفعه حينها ما كان يقول ويروج له ويهايط به وينشد له، حتى لو قال: (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أعْمَلُ صالِحًا فِيما تَرَكْتُ كَلا إنَّها كَلِمَةٌ هو قائِلُها ومِن ورائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).