رجاء العتيبي
لا تعني العنصرية حسب المفهوم المتداول سوى خدعة يضرب بها البشر رقاب بعض، لأنه لم يتجاوزوها إلى أبعد من ذلك، إلى الخيار الحر، والاحترام المتبادل، وأن الإنسان يظل في النهاية إنساناً لا أقل ولا أكثر.
ووصول الإنسان إلى الخيار الحر، تتلاشى معه مفاهيم العنصرية تلقائياً، ولا يصبح لها أثر، وينتفي استخدامها كمعيار للحكم، فمن يشتري سيارة فخمة، لا يعني أنه مغرور، أو مسرف، أو مبذر، إنما هذا خياره، ومن يشتري سيارة اقتصادية لا يعني أنه فقير، ولا بخيل، ولا متواضع، إنما هذا خياره، وقِسْ على ذلك كل مناحي الحياة.
لهذا فالخيار في أن يوافق الإنسان أو يرفض، أو يقوم أو يجلس، أو يصحو أو ينام، لا يلتزم أن يتبعه حكم معين. لا عليه، ولا على سلوكه، يلتصق به طوال حياته.
الإنسان اخترع العنصرية أداة تصنيف، ليبقى في الأعلى بشر، والأسفل بشر، أو في الشمال بشر، وفي الجنوب بشر، أو تصنيف البشر حسب الألوان والإثنيات، هذا كله خدعة لأن الخيار الحر، ليس وارداً لدى البشر حتى في أكثر بقاعه تطوراً، وهي خدعة لفرض كثير من التمايز، وكثير من الأحكام، وحتى يزول كل ذلك، علينا أن نعيد إدراك المشكلة في أذهاننا من جديد، ولا نناقشها كما ناقشها من سبقونا، فمن سبقنا أكثروا اللتّ والعجن، والطبخ والنفخ. نناقشها ليحل الخيار الحر محل العنصرية في كل العالم، باعتبارها ليست معياراً، وليست حكماً.. لأنها من صنع الإنسان نفسه، والعنصرية لا تحل بفكر أيدولوجي متعنصر هو الآخر، هنا داوها بالتي كانت هي الداء، وهذا أسوأ الأحوال، عندما تعالج العنصرية، بعنصرية لا تقل عنصرية عنها.
الخلاصة في هذا المقال، هي في اتلاف العنصرية ككلمة، وسلوك وفكر، بحيث لا تكون ضمن المنظومة اللغوية أصلاً، على الأقل في مستقبل الأيام، ونعيش حياتنا طبيعية، بالقرار الذي نريد، وكأنها غير موجودة، لا تعزيزاً ولا دفاعاً، يمكنكم تخيُّل العالم، هكذا، من دون شيء اسمه العنصرية، ولا حتى تخطر على قلب بشر.