م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- الدول القديمة أو الدول الحديثة «المتخلفة» تقوم على مركز متطور وأطراف متخلفة.. ويكون ذلك المركز هو محور الاهتمام والعناية أمنياً وتنموياً.. ويتم تهيئة كافة السبل التي تدعم مسارات التطور فيه، وتحقق التنمية من خلال توفير خدمات التعليم والصحة والاستقرار الأمني لها.. بخلاف الأطراف التي أُهْملت وصارت تفتقر إلى أبسط مقومات التنمية.. وتُركت تواجه قَدَرها بقصور في الخدمات التي يمكن أن تُقَدَّم لها تعليماً وتطبيباً وأمناً.. كما تُركت للمغامرين لاختطاف مقدراتها واستعباد أهلها وتسخيرهم لخدمة المركز.
2- إهمال الأطراف جعلها أطرافاً متفرقة ليس لها صلة ببعضها حتى إن كل طرف صار مرتبطاً مباشرة بالمركز، وهذا الارتباط ليس ارتباطاً عادلاً.. وعلاقة التعامل مع المركز ليست علاقة بيع وشراء بمقابل بل علاقة إذعان.. فالمركز يشتري منتجات الأطراف بما يراه وليس بما يستحقه صاحب الخدمة أو السلعة.. مما جعل الأطراف في وضع المتهالك المنهك دائماً الذي يرتبط مصيره بمدى رضا أو قدرة المركز على الشراء منه أو الاستفادة من خدماته.. وأصبح سكان الأطراف هم عمالة الخدمة العضلية أو وقود الحروب لا أكثر.
3- تحكم المركز بالأطراف ساهم في إضعاف اقتصاد تلك الأطراف، وتفكك بنيتها الداخلية وطغيان الجهل على عموم أفراد مجتمعها.. وأصبح من ثقافة مجتمعات تلك الأطراف اجترار الماضي، ومن عاداتهم إعادة إنتاج التخلف من خلال تكرار أنماط الإنتاج القديمة.. وطغت سمات التناحر بينها عوضاً عن اتحادهم وتنظيم علاقاتهم ببعض وتنسيق تعاملاتهم مع المركز.. وأصبحت صفة الفَلاَّح صفة تطلق على الأمي الجاهل المتخلف الذي ليس لديه سوى قوته العضلية لكسب عيشه.. ونشأت الطبقية التي فرقت بين الناس بشكل عنصري.
4- تحكم المركز بالأطراف اتسم بالاستغلال المفرط والنهب.. مما أوهن قوى الأطراف وجعلها كماً جاهلاً ينتج ويعيد الإنتاج وفق رغبات وتوجيه المركز وبشكل احتكاري.. وأصبحت كل قواه الإنتاجية مقيدة يتم التحكم فيها من المركز.. هذه التبعية المطلقة للمركز من قبل الأطراف ولد إشكالات محورية خنقت التنمية فيها، وحولت مجتمعاتها إلى مجتمعات منطوية بدائية تتسيد فيها الخرافة بكل أشكالها وتحت كل مسمياتها.. وأصبح نمط الإنتاج في الأطراف يقوم على النظام الإقطاعي، وقد يصل في بعض المراحل إلى نمط الإنتاج الاستعبادي للعاملين في الإقطاعات التي يملكها ويحكمها أهل المركز.
5- أما الأطراف على مستوى الدول فنحن نشهد اليوم وعلى أرض الواقع أن كل دول أمريكا الجنوبية وكل دول إفريقيا وأغلب دول آسيا وشرق أوروبا تعد أطرافاً لأمريكا ودول أوروبا الغربية.. حيث تتحكم في مستويات الإنتاج ونوعية الأعمال.. وتصل بهم الحال إلى إسقاط الحكومات في الدول الطرفية التي لا تتماشى مع توجيهاتهم وسياستهم.
6- المشكلة الأزلية بين المركز والأطراف أن المركز يتقدم دائماً والأطراف تتأخر دائماً.