تركي دخيل الله الحارثي
إنها الأرضُ... التي استخلفنا الله فيها، كوكب أزرق جميل.
جبال عاليةٌ وشامخة تلامُس الغيوم، تقذف في قلب الناظر إليها الهمة والعزة، وصحراء صفراء صافية تَشِعُ بمعاني الصبر وبعد النظر، ليلها حالكُ الظلام فوقهُ سماءٌ فسيحةٌ وواسعةٌ مليئةٌ بالنجوم تملأُ صدورَنا بالتفاؤل لغدٍ جديدٍ ومشرق.
في الصباح تشرق الشمس الساطعة على هذا الكوكب الأزرق الجميل وتأتينا نسمات هوائه العليل محملةً بعطر الورود واللافندر وعطر أشجار الكينا والصنوبر وعطر الخزامى وزهور الربيع وحتى الثراء يزاحم بقية العطور برائحته.
في كل مرة يتنافس الملحنون على هذا الكوكب لنستمع إلى أجمل الأنغام وأعظم مؤلفات الموسيقى، صوت المطر وخرير جداول المياه وصوت حفيف أوراق الشجر وتغريد الطيور.
ولكن كوكبنا الأزرق الجميل لم يجد منا التقدير والتبجيل، ونحن نقسو عليه جيلاً بعد جيل.
فإن قضينا عليه، هل لنا بكوكب أزرق بديل؟
الحقيقةُ أنه ليس كل ما في هذا الكوكب الأزرق جميلاً! ... فقد كان كذلك، حتى أدى سلوك البشر إلى جعل أجزاء كبيرة منه قبيحةً مشوهة، وتغيرت ألحانه بضجيج وصخب الآلات، وروائحُ عطوره بروائح نفايات ملقاة على قارعة الطريق وبين الأزقة وفي الأماكن العامة والمتنزهات، حتى المصانع والسيارات تنفث في أجوائه انبعاثات غازات كريهة.
ومنذ أن صَنع أولُ إنسان أول قطعة بلاستيك في عام 1855م. أصبحت قطعُ البلاستيك بمختلف أحجامها وأشكالها في ازدياد مستمر.
فأين تذهب كل تلكَ الأطنان من البلاستيك؟
إن أغلبها ببساطة تقذف وتتكدس في كل زوايا هذا الكوكب.
ووفقًا لدائرة الحدائق الأمريكية فإن البلاستيك لا يتحلل إلا بعد 450 عامًا.
ليس هذا فقط فالإنسان بجهله يحارب هذا الكوكب الأزرق الجميل على عدة جبهات أخرى منها قطع الأشجار لصناعة الخشب والاحتطاب، ومنها الصيد الجائر في البر والبحر، وحتى إطعام بقايا طعامه للحيوانات يكون سببًا في تغيير سلوكها وأعدادها، وبالتالي ينتج عنه أضرار على البيئة وعلى التنوع والتكامل الذي فطرها الله عليه.
إن أبسط مظاهر تأثير البشر السلبي على الطبيعة يمكن أن نشعر به في تهكمنا من قط يخاف من فأر!، ومَن منا لم يشاهد ذلك؟!
لعل تهكمنا هذا ليس في محله، لماذا..؟ لأننا نحن السبب فيه، فبوجود أطنان القمامة من الأكل الجاهز والسهل المنال لم يعد الفأر فريسةً للقط، وهذا ما غير غرائز الصياد والفريسة وتسبب في زيادة أعدادها في المدن، كذلك زاد من خطر الأمراض التي يمكن أن تنقلها للبشر.
وفي صورة أخرى تبيّن هذا التدخل البشري السلبي نرى من يطعم الحمام حتى أصبح يتكدس على مكيفات المنازل وأرفف العمائر ويبني عليها أعشاشه المليئة بالحشرات.
نلاحظ أيضًا تأثير البشر بتوفير الطعام - في النفايات - الذي تسبب في ازدياد أعداد الكلاب الضالة والقرود في بعض المدن والقرى وحتى إنها أصبحت تعد حاويات النفايات مناطقها الخاصة وتهاجم المجموعات الأخرى للدفاع عنها، وكذلك تهاجم البشر، فشكل خطرًا نحن من صنعه، على مرتادي الطريق من أطفال وكبار وسائقي الدراجات الهوائية وغيرهم.
إن من يلاحظ الاختلاف الظاهر في الغطاء النباتي بين الأماكن التي يزورها البشر وترعاها ماشيتهم كيف أنها أصبحت صحراء قاحلة، وبين تلك الأماكن المحمية التي تحافظ على دورة الحياة الطبيعية بداخلها لتعطي فرصة للنباتات بالنمو في كل عام، تتبين له صورة أخرى لهذا الأثر السلبي من سلوك البشر الخاطئ.
فإن كانت هذه أبسطُ الصور الملموسةِ للجميع، فإن علماء البيئة يلاحظون تأثير سلوك البشر الجاهلين أو المتجاهلين بشكل أشمل وأوسع من ذلك، فعلى سبيل المثال يصنف العلماء التلوث الناجم عن البشر إلى نوعين، ملوثات تقليدية مثل النفايات والصرف الصحي، وملوثات أكثر حداثة مثل انبعاثات الغازات السامة من المصانع، وهذه الملوثات حسب وكالة «رويترز» تتسبب في وفاة 9 ملايين شخص سنويًا.
وتحت عنوان (نفايات البلاستيك تستقر في بطون البشر) يقول الكاتب حسام الشيخ بجريدة عكاظ
«إنه وفق «ديلي ميل» البريطانية، أعلنت مديرة الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة «إنغر أندرسن» أن 10 ملايين طن بلاستيك تُلقى سنويًا في بحار العالم فتأكلها الأسماك ويأكل البشر الأسماك فيستقر البلاستيك في بطون البشر».
وبالتأكيد أن أثر البلاستيك في البحار لا يقتصر على هذا فقط، فالثروة السمكية يعتمد عليها الإنسان في غذائه وهي تعتمد في بقائها على الشعب المرجانية، وهذه الشعب المرجانية تتأثر سلبيًا بكل هذه الأطنان من النفايات البلاستيكية التي تضاف سنويًا في أحواض البحار والمحيطات وتبقى لفترات طويلة جدًا من الزمن.
إذًا... فنحن أمام مهمة لإنقاذ كوكبنا الأزرق الجميل، فما الحل؟
إن المملكة العربية السعودية وكثيرًا من الدول المتقدمة تولي هذا الجانب البيئي أهمية كبيرة بالدراسات والأبحاث وسن القوانين ونشر الوعي المجتمعي.
سنركز في هذا المقال على دور الفرد والأسرة الأساس في مهمة إنقاذ الكوكب.
يمكننا المساهمة في تحقيقها باتباع سبعة إرشادات تتعلق بسلوكنا اليومي:-
أولاً : لا تقطع شجرة ولا تغير في طبيعة مكان بري بأي شكلٍ.
ثانيًا : لا تشعل نارًا وتتركها، ولا تشعلها تحت الأشجار أو فوق الغطاء النباتي، ولا تستخدم الحطب المحلي المحمي في إشعالها.
ثالثًا : لا تطعم الحيوانات ولا ترمي بقايا طعامك لكيلا تكون مصدر طعام غير طبيعي لها، وخطط جيدًا لكمية الطعام التي تستهلكها أنت وأسرتك لتَحُد من كمية النفايات الناتجة عنك.
رابعًا : لا تخييم أو تمشي فوق الغطاء النباتي من الأعشاب والشجيرات بل اختر الأماكن الصلبة التي لا يوجد عليها غطاء نباتي للتنقل أو التخييم.
خامسًا : ضع نفاياتك في الأماكن المخصصة فإن كنت في مكان بري فاحملها معك ولا تتركها فتبعثرها من بعدك الحيوانات.
سادسًا : خطط جيدًا للتقليل من استخدام الأدوات ذات الاستعمال الواحد مثل أواني البلاستيك واستخدم أدوات يمكن استعمالها مرات متكررة لتقلل من كمية نفاياتك.
سابعًا : فإن ثقافة المجتمع عادة متأصلة تنبع من كل أسرة والمنزل هو أساسها، فكن مسؤولاً عن زرع هذه الثقافة في أبنائك وأفراد أسرتك وكافئهم على الالتزام بها، فمستقبل كوكبنا بحاجة إلى تضافر جهود كل الأجيال.
عزيزي القارئ... هذه وجهة نظري أكتبها لك بحكم خبرتي في تدريب المتنزهين حول طرق حماية البيئة، ومن خلال مشاهداتي الكثيرة للسلوكيات الخاطئة وأثرها على كوكبنا الأزرق الجميل، التزم بها وأتمنى منك ذلك أيضًا، وأنت كذلك لديك المزيد من الأفكار والمشاهدات والحلول التي يمكنك أن تذكرها لنا.. فلا تحرمنا من رأيك في التعليقات وشارك معنا في إيجاد الحل.