حمّاد بن حامد السالمي
* السابق إلى هذا العنوان النهضوي: (دعونا نمشي)؛ هو شيخ المؤرخين الأستاذ: (أحمد السباعي) رحمه الله. جاء عنوانًا لكتاب له قبل حوالي أربعة عقود، وقبل أثني عشر عامًا؛ كتبت تحته مقالي لمجلة إمارة منطقة مكة المكرمة، مركزًا حديثي على الجانب الرياضي في المجتمع السعودي، حيث تأتي رياضة المشي، على رأس خيارات الرياضة للجميع في كافة المدن، وفي غضون عشرة أعوام؛ شهدنا بحمد الله؛ عناية خاصة بهذا الجانب من جهة المجتمع، ومن جانب فروع البلديات التي ساهمت إلى حد ما في إيجاد مضامير مشي في الأسواق وفي الحدائق العامة، عسى أن تمتد هذه العناية لتصل إلى الأحياء، حتى يكون لكل حي مضمار مشي رياضي اجتماعي، مع توفير خدمات لقاءات الناس وجلوسهم واستراحاتهم، وهذا في حد ذاته، يشكل ملتقى لأهل الحي الواحد، فيه يتريضون مشيًا، ويتثاقفون وعيًا، ويتعرف بعضهم على بعض.
* أعود إلى الدعوة الصادقة، والصرخة المدوية التي أطلقها السباعي رحمه الله من مكة المكرمة في كتابه ذاك. لقد عرض الكتاب جملة مقالات جريئة وقتها؛ تعرض لحاجة المجتمع إلى الانفكاك من قيود التشدد والتطرف، والأخذ بأسباب العلم والمعرفة والنهوض المواكب للعصر على كافة الصعد التربوية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، ومن الصحية رياضة المشي التي أخذ بها الأديب الكبير أحمد السباعي مدخلًا للتقدم والرقي في الحياة.
* وقفت ما سميت بالصحوة في بلادنا منذ ولادتها في تلك الفترة؛ موقفًا داعمًا لمشروع الإخوان العالمي، الذي انطلق من مصر سنة 1928م، وأخذ يتمدد ويتعدد، ويستهدف البلدان العربية جميعها، لإحياء الخلافة العثمانية المنقرضة، وفرض السيطرة وحكم الناس بشعارات ظاهرها الإسلام وباطنها الخداع والكذب، ومن المضحكات المبكيات في آن واحد، أن صحوتنا السعودية المتأخونة؛ كانت جادة ومخلصة وخادمة أمينة لمشروع الإخوان، حتى اكتشف المجتمع أنها غفوة لا صحوة..! وأنها بؤرة لتوليد المزيد من القادة الظلاميين المكفّرين، وأدوات القتل التي تستحل دماء البشر، تحت رايات الجهاد المزعوم في القاعدة وداعش والنصرة وغيرها من منظمات خارجة على الشرائع والقوانين في بلدانها وفي العالم أجمع.
* دعونا نمشي.. أصبحت في بلادنا بحمد الله؛ وبفضل قيادتنا النهضوية؛ واقعًا نعيشه كل يوم، جديد الأفكار والمخترعات التي كانت ترعب الظلاميين فيما مضى؛ ويخيفوننا بها؛ لم تعد تخيفنا. ها نحن نتقدم في مجالات علمية شتى قلّ نظيرها في عديد البلدان حولنا. وما كان محظورًا لمجرد رأي من مكفّر أو ظلامي ذات يوم، هو اليوم واقعًا ملموسًا، فالمرأة أخذت مكانها الطبيعي في الوظيفة وقيادة السيارة، والمصانع ترتفع إلى جانب المآذن، والأقلام تتلاقح وتسهم في تشكيل رأي عام يدعم النهضة الكبرى على كافة المستويات.
* دعونا نمشي.. نعم.. كانت هذه صرخة سباعية في وقتها، تدعو إلى العلم والعمل والتطوير والنهضة والتقدم، وأن نعطي الشباب والمرأة في هذه البلاد، فرصتهم الكاملة في التحصيل العلمي والعمل، وأن نحترم التميز والإبداع من أي كان في المجتمع. من منا يتذكر هذه الفترة. إن الكبير أحمد السباعي رحمه الله؛ لم يصرخ من فراغ، كان يعبر عن واقع مؤسف عشناه وتجاوزناه بحمد الله، ولكن في غياب الصارخ الأمين.
* أقول هنا: (دعونا نمشي.. أكثر وأسرع). دعونا إلى جانب تقدمنا العلمي والعملي والفكري؛ نمشي على أقدامنا في مدننا كلها، وفي قرانا كلها، فنجعلها رياضة صحية معرفية، ونربطها بكافة الأنشطة الأخرى أكثر وأكثر. ينبغي أن ندرك أن هناك وعيًا متناميًا داخل المجتمع بأهمية النشاط الرياضي، والمشي في المقدمة. لقد لمست هذا بنفسي. إن العالم من حولنا يمشي ليل نهار، وقد أضحت رياضة المشي؛ في صلب ثقافة الشعوب التي تدرك القيمة الفعلية لهذه الرياضة، ومن الواجب؛ تعزيز هذا الوعي لدينا بكافة الوسائل الممكنة، وبتوفير الفرصة كاملة أمام الرجال والنساء لممارسة الرياضات التي يرغبون. لا بد من دعم الرياضة البدنية والصحية في المدارس، وإحلالها في مدارس البنات، وتشجيع الأندية الخاصة التي تقدم هذه الخدمة لروادها .
* أعيد هنا ما سبق نشره، فقد أظهرت دراسة أجريت على المجتمع السعودي عام 1997م، نتائج محبطة ومخيبة. فالذين لا يمارسون أي نشاط بدني: (53 %) من الذكور البالغين ، ومن الطلاب (60.7 %)، ومن الطالبات (77.9 %) ، و(19 %) فقط من الذكور البالغين يمارسون نشاطًا بدنيًا منتظمًا، و(28 %) منهم يمارسون نشاطًا بدنيًا غير منتظم، ثم تزيد نسبة العزوف عن النشاط البدني، كلما تقدم هؤلاء في العمر، وخاصة طلاب المدارس. ولو أعيدت الدراسة لوجدنا تقدمًا ملحوظًا.
* يقول بعض الدراسات الحديثة كذلك؛ بأن الناس كافة في حاجة ماسة للمشي والنشاط البدني، وخاصة كبار السن منهم، وذلك لضعف القوة العضلية، وقلة حجم الجسم، وضعف بنية العظام، وضعف التوازن، وضعف مرونة وحركة المفاصل، وبطء التخلص من الجلوكوز بالدم، وزيادة احتمال الإصابة بالسمنة، وارتفاع ضغط الدم، والإصابة بالقلق والاكتئاب.
* وفي مقابل هذا، هناك دراسات تذهب إلى تأكيد فوائد جسمية ونفسية جمة لممارسة رياضة المشي. من هذه الفوائد: (إطالة في العمر بإذن الله - المحافظة على الوزن - رفع الطاقة والشعور بالسعادة - الوقاية من أمراض القلب - الوقاية من السرطان - خفض ضغط الدم - الوقاية من هشاشة العظام - الوقاية وعلاج أمراض المفاصل - تناسق شكل الجسم - تحسين نوعية النوم - خفض كولسترول الدم - تأخير أمراض الشيخوخة - تقوية الذاكرة - تحسين الأداء الجنسي - تحسين اللياقة البدنية - تخفيض الوزن - خفض التوتر- تقدير الذات - الابتكار وحل المشكلات واتخاذ القرارات - التخلص من العادات - تحسين الإحساس - تحسين عادات اليوم - تقدير الطبيعة والاستمتاع بها - تحقيق أسلوب أفضل للحياة).
* ثم ماذا بعد..؟ الواقع أننا بدأنا نمشي ونسرع الخطى رياضيًا وعقليًا وعمليًا. المطلوب التسريع أكثر، والاهتمام بالرياضة الصحية، فالعقل السليم في الجسم السليم. لعل الإنسان في هذا الزمان، مثل الماء الذي عناه الشاعر بقوله:
إني رأيت وقوف الماء يُفسده
إن سال طاب؛ وإن لم يجر لم يطب