خالد بن عبدالكريم الجاسر
لقد استخدمت الصين قوتها الاقتصادية بسياسة خارجية مختلفة، فلا توجد دولة واحدة وقعت فيما يسمى «مصيدة الدين» نتيجة للاقتراض من الصين كبرى الدول الدائنة في العالم. دول العالم ترزح تحت عبء القروض أو التمويلات لمشاريع البنى التحتية التي تقدمها لها، كذلك الولايات المتحدة الشريك الأول في ارتفاع الدين العالمي، وهو ما نراه من اقتراض الشريكين الكبيرين أكبر نسبة في الربع الأول بالنظر إلى مصلحتهما الشخصية أولاً، مقارنة بالدول الأخرى ليرتفع الدين العالمي إلى مستوى قياسي فوق 305 تريليونات دولار، في حين انخفضت نسبة الدين إلى الناتج المحلي لكل منهما وفق «معهد التمويل الدولي»، ولكنها الآن في مأزق قد يؤثر كليًّا دون وعي طوال سنوات على الاقتصاد العالمي بدليل أنها عانت من تعثر كبرى شركاتها العقارية وانخفاض عملتها، والآن تطالب هذه الدول بسداد ديونها، فكيف ستحصلها من سريلانكا المنكوبة اقتصاديًا، وأكثر منها زامبيا التي تزيد قروضها عن ثلث الديون الخارجية لها، وبالتالي سينطبق الأمر على بقية الدول المديونة. وطرائق الإدارة الصينية معهم بناء على معاملتها لزامبيا، فهل ستشتريها أو تحتلها مؤقتًا لفترة زمنية كما اشترت النفط الإيراني لربع قرن من الزمن؟.. أم ستتمسك بحقها في السداد، لتواجه العالم بأزماته وديونه التي لا حصر لها منذ الثمانينيات؟
ورغم ذلك أعفت الصين دولاً نامية خاصة الإفريقية من دفع ديونها البالغة 2.1 مليار دولار بموجب إطار عمل لمجموعة العشرين 2020 إثر أزمة كورونا، وهي القيمة الأعلى بين أعضاء المجموعة من حيث المبلغ المؤجل، بل علق الدائنان الثنائيان الرسميان (الوكالة الصينية للتعاون الإنمائي الدولي، وبنك التصدير والاستيراد الصيني) ديون 23 دولة، بإجمالي 1.353 مليار دولار.. وذلك بخلاف مبادرة G20 لتعليق تلك المدفوعات لمساعدة تلك الدول في الأجل الطويل والإبقاء على قدوم استثمارات تساعد بنيتهم التحتية على الصمود.. مقابل توقيع بنك التنمية الصيني كدائن تجاري اتفاقات مع دول نامية تغطي 748 مليون دولار بحلول نهاية سبتمبر 2021.
لكن ذلك جزء صغير مقارنة مع ما تدين به الدول النامية للصين لتكون فرصة سانحة للأخيرة بالاستحواذ على منشآت الدول المتعثرة كالمطارات والموانئ وغيرها، وبالتالي نخشى أن يكون الهدف الصيني من مبادرة طريق الحرير أو ما يسمى بـ(الحزام والطريق) عام 2013، الذي يهدف إلى ربط الصين بدول العالم، لمصلحتها الخاصة أولاً ثم الارتقاء بالبنى التحتية لعدد كبير من الدول التي يمر بها ذلك الطريق وجعلها سوقًا لشركاتها، مما يجعل المشروع العملاق ذا مخاطر كبرى، ولاسيما الدول النامية التي لا تملك تصنيفًا ائتمانيًا جيدًا؛ لتضع الصين العالم في ورطة الديون، وبالفعل ارتفع الدين الخارجي المستحق على الصين بسبب زيادة مشتريات المستثمرين الأجانب في أدوات الدين الصينية، وهي أموال مستحقة على الإدارة الصينية ليصل إلى 16.7 مليار دولار في الربع الثالث 2021، مستقرًا في نسب النمو حتى نهاية سبتمبر الماضي عند 2.7 تريليون دولار أمريكي، لتأتي الأصول الصينية الاحتياطية بأكثر من 3.3 تريليونات دولار أمريكي، منها 1.1 تريليون دولار استثمارات للبنك المركزي الصيني في السندات والأذونات الأمريكية. ليعِ العالم الدرس من سوء المشكلة التي وضعت الإدارة الصينية العالم في مأزق، وكأنها تقرض الدول دون دراسة جودة المشاريع أو جدواها.