صبار عابر العنزي
الحقد أبعدنا الله وإياكم عنه مرض يصيب الأشخاص نتيجة حفظ العداوة في القلب والتربص لفرصة مواتية للأضرار والانتقام من الشخص المستهدف فالحقد آفة خطيرة قد تؤدي إلى خلق العداوة بين الأصحاب والأقارب والإخوة في العائلة الواحدة قد يورث الحسد الذي يدفع بصاحبه إلى تمني زوال ما عند غيره من نعم، وعدم الرضا بما لديه منها، يخلق العداوة والقطيعة بين الشخص الحقود وبين مَن يحقد عليه، حتى لو كان أقرب المقربين إليه.
وهنا أشير إلى أن الإخلاص في العمل والتفاني من أجله، ميزة في التركيب الوجداني والفكري لا يتمتع بها إلا قلة من الناس، لذا تجدهم يتبنون وينتمون ويدافعون ويغضبون ويزعلون ويناقشون بحرقة ودفاع مستميت من أجل أعمالهم أو أماكنهم الوظيفية لأنهم أنقياء يعملون عن قناعة ويريدون أن يبقى المكان وإنسانه بصورة بهية ولا يقبلون تشويه المغرضين أو أولئك الحاقدين الحاسدين الذين أصيبوا في أبصارهم وعقولهم وصدوا عن جادة الصواب وأخذوا ينثرون التهم ويقللون من شأن الآخرين وانجازاتهم.. وأنا في هذا المقام أشفق على الإنسان السلبي الذي يلتزم الصمت رغم قناعته بخطأ الطرف الآخر.. واحترم من يدافع عن عمله ومصدر رزقه بالدليل والاعتقاد الصائب.. وقد رصدت خلال مسيرتي البسيطة في هذه الحياة نوعاً من البشر لا يعمل ولا يدع غيره يعمل ولا يملك في هذه الحياة إلا نظرة التآمر والتخطيط وأن الكل يريد إيذاءه.. بل إنه يضع نفسه وثلة من شاكلته في طريق إبداع المنجزين وهؤلاء سكن الهم والغم قلوبهم واستوطن الحقد نفوسهم واسترسل الحسد ليقطن ذواتهم وقد صورهم الإمام الشافعي بقوله:
كل العداوة ترجى مودتها
إلا عداوة من عاداك عن حسد
وقوله في مكان آخر:
وكيف يداري المرء حاسد نعمة
إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
وللحسد أسباب عدة لا يمكن حصرها من أهمها تمكن الدنيا من القلب وقلة الإيمان وحب الذات وكراهية الآخرين خصوصاً البارزين بأعمالهم.
والمشكلة أن الحاقد يدرك في داخله أن هذا المنجز الذي قاموا به هو جهد وتعب الليالي إلا أنه يبخل على ذاته بالعلو ومواصلة العلم والمعرفة ومخالطة الرجال وينزوي بين أروقة «مجموعة» من الاصدقاء ليمارس علوه الوهمي مخطئاً هذا ومقللا من عمل ذاك وكارهاً لنفسه ومثل هذا النموذج يفضل الابتعاد عنه والصبر عليه وصدق القائل:
أصبر على كيد الحسود
فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله
ونصيحتي الابتعاد عن هذه النوعية من البشر فهو غير عقلاني يتصادم بلسانه لا بعقله ولا يقبل إلا النيل من عطاءات الآخرين وقواه الظلامية تحركه وتدفعه لتدمير كل جميل يراه.
إن هذا النموذج الإنساني يعطيك انطباعا بأنك تجلس أمام رجل ميت، تمشي كلماته فقط من على لسانه وينفذ السموم وعن هؤلاء نقول لكم: تعاملوا معهم بحذر شديد.
ومن باب التوعية والإرشاد نذكر ما ذكر العلماء أن هناك عدداً من الأمور التي ينبغي على الإنسان القيام بها حتّى يستطيع إزالة الحِقد وآثاره من القلب والوجدان ومن أهمّ تلك الأمور المواظبة على الدُّعاء قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
كذلك صيام الأيّام النّوافل والسُّنَن من كلّ شهر وإفشاء السلّام؛ فإنّ لإفشاء السّلام علاقةً بانتشار الحُبّ بين النّاس وإزالة الحِقد والبغضاء من قلوبهم وأيضا التّواضُع والصَّفح والعِتاب فالعتاب الذي يكون قائماً على إظهار ما أخطأ به المرء والصّفح يوضّحان أسباب الخطأ أو الاعتذار عنه، وبالتالي منع تشكُّل الأحقاد القلبيّة.