د.عبدالله بن موسى الطاير
عندما بدأ العلماء في وكالة ناسا ووكالتي الفضاء الأوربية والكندية ببناء تليسكوب جيمس ويب، لم يشكك الإعلام والعامة في مشروعية حلمهم، وبدأ العمل عام 1995م وأطلق التليسكوب عام 2021م. كان الحالمون به يتوقعون إنجازه في عشر سنوات تقريبًا، ولم يتمكنوا من إطلاقه إلا بعد حوالي ربع قرن، وأولى النتائج كانت «أعمق صورة للكون على الإطلاق يتمّ التقاطها بالأشعة تحت الحمراء، ظهرت فيها بعدسة التلسكوب الفضائي آلاف المجرات التي تشكلت بعيد الانفجار العظيم قبل أكثر من 13 مليار سنة».
المنجزات الضخمة بدأت بأحلام مشروعة لأناس مختلفون في تفكيرهم عن السواد الأعظم من الناس، ولديهم شغف بإحداث التغييرات الضخمة التي لا تطرق أحلام عامة الناس، ومعظم خاصتهم. والحالمون ينطلقون من قناعتهم بأن المنجزات الكبرى هي التي تقدم حلولاً غير تقليدية لاحتياجات قائمة ومتوقعة، ويعولون على دعم وسائل وآلات وتقنيات ربما لم تخترع بعد، ولكنهم بثاقب بصائرهم يدركون أنها آتية لا محالة.
الصين هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، ويعيش نحو 50 % من السكان في الشمال، التي لا تزيد مواردها المائية عن 20 % من موارد المياه في الصين. ولإيجاد حلول غير تقليدية، وضرورية لإنقاذ الحياة، تعمل الصين على بناء ثلاث قنوات ضخمة يبلغ طول كل منها نحو 1000كم من أجل تزويد الشمال بالمياه. تقول إحدى الدوريات المتخصصة «إن القول بأن المشروع معقد هو من باب التبسيط، حيث من المتوقع أن يكون الأفق الزمني للإنجاز 48 عامًا، وعندما ينتهي سيزود سكان الشمال بـ44.8 مليار متر مكعب من المياه سنويًا». هكذا حلم القائمون على المشروع، وسينفقون عليه نحو 80 مليار دولار وينتظرون نصف قرن نتائجه الباهرة.
وعندما يتصل شيء ما بالإنترنت فسوف يتمكن من إرسال المعلومات أو تلقيها أو كليهما، وسوف تتحول الأشياء من ثلاجات وغسالات وغيرها إلى جمادات ذكية وأكثر ذكاء، وسيكون بمقدور ثلاجتك أن تضيف أغراضًا إلى قائمة التسوق الخاصة بك، وستتواصل خزانة ملابسك مع الغسالة. إنترنت الأشياء لم يعد حلمًا، فقد بدأ بالفعل وهو يتطور يوما بعد آخر. لقد كان وراء هذه المنجز الذي يصعب تصديقه حالمون جعلوه ممكنًا.
وبحلول عام 2035 سيعيش 40 % من سكان الأرض في المدن وهو ما يعني بناء 4000 وحدة سكنية في الساعة، ويتعذر على البشر القيام بذلك بالطرق التقليدية، فكانت الطباعة ثلاثية الأبعاد هي الحل السريع الذي حلم بها أناس مختلفون لتلبية هذه الحاجة الملحة.
وتشحن إيطاليا 70 ألف طن من القمامة إلى النمسا سنويًا حيث يتم حرقها وتحويلها إلى كهرباء. كما أطلقت دولة إستونيا الصغيرة الواقعة على بحر البلطيق على نفسها اسم «إستونيا الإلكترونية» كأول دولة على هذا الكوكب تنقل تقريبًا جميع خدماتها إلى المستفيدين عبر الإنترنت، وتعمل القطارات الهولندية الآن بنسبة 100 % بطاقة الرياح. عندما حلم النمساويون والإستونيون والنمساويون كانت أحلامهم مشروعة، وهي الآن واقع يتم التعامل معه وكأنه أمر معتاد.
وتسعى مدينة نيويورك إلى تحويل أكبر مدينة في أمريكا إلى «مختبر مناخ» لتوفير المال والطاقة، وتغطي ألواح الطاقة الشمسية البحيرات والأنهار في اليابان من أجل تخصيص البر لتسكين أعداد البشر المتزايدة. وحققت التكنولوجيا القابلة للارتداء قفزات كبيرة على مر السنين، حيث أضافت وظائف جديدة إلى الإكسسوارات والملابس التي نرتديها يومًا بعد يوم. «أحد السبل الواعدة ينطوي على إعطاء آذان للملابس، أو على الأقل سعة الأذن نفسها». وابتكر الباحثون في معهد ماساتشوستس الأمريكي نسيجًا قادرًا على «اكتشاف ضربات القلب أو التصفيق أو حتى الأصوات الخافتة جدًا». ويعمل الباحثون في جامعة موناش في أستراليا على تجارب «لنظام يرتدي المكفوفون بموجبه زوجًا من النظارات مزودًا بكاميرا ترسل البيانات مباشرة إلى شريحة توضع على سطح الدماغ وتعطي المستخدم إحساسًا أوليًا بالبصر».
هكذا حلم أورفيل وويلبر رايت بالطيران عام 1903، والطائرات اليوم تجوب العالم ولا تسترعي انتباه الكثير عن صعوبة الحلم وغرابته أو استحالته في الفترة الزمنية التي بدأت فيها المحاولات. واليوم نحن نعيش واقعًا وحياة رغيدة بفضل أحلام الأخوين رايت وغراهام بيل، وأديسون وغيرهم. لقد كانوا مختلفين عن غيرهم، وكانت هممهم عالية، فأضاؤوا الأرض ونقلوا الناس ووصلوهم ببعضهم وأسسوا لأعداد لا تحصى من المخترعات والخدمات والمنتجات قامت على عصارة أفكارهم وسعة آفاقهم وسابقية أحلامهم.
نيوم وذا لاين من أحلام رجل غير عادي، لديه القدرة على تحويل الأحلام إلى واقع، فلِم كل هذا الضجيج؟ قد أتفهم من يقصر به أفقه عن فهم المشروعين، لكني لا أتفهم من يثير حولهما الجلبة ويحاول التقليل من شأنهما بالتشكيك. غدًا سيأتي من يعيش لحظة نيوم وذا لاين ويكتب عن واقع حلم الأمير محمد بن سلمان ومنجزه اللذين تحققا، تمامًا كما نكتب عن أحلام لي كوان يو، ونليسون مانديلا، ومارتن لوثر، والأخوين رايت، وغراهام بيل، وأديسون، وغيرهم من العظماء.