رمضان جريدي العنزي
أصبحت بعض المجالس ومنصات التواصل الاجتماعي أمكنة للتهريج، بل مضمارًا يتسابق فيه هواة الهرج وسرد الحكايا، وفق نصوص تراجيدية وكوميدية، يصوغها المهرج حسب ذائقته، الكثير منها يبعث على الضحك والسخرية، نتيجة السرد الهزلي للمهرج، والحركات الصوتية والجسدية والانفعالية التي يبديها ويفتعلها. إننا نعيش زمن التهريج، هذا ما يتبادر إلى ذهني وأنا أستمع لبعض المهرجين وساردي الحكايا، ممن يقحمون أنوفهم في كل شاردة وواردة، ويرتادون المجالس والاستراحات ووسائل التواصل الاجتماعي ليمارسوا الهرف الكلامي مع بعض الإيحاءات التمثيلية واللفظية المنتقاة، وأصبحوا دون خجل ولا حياء يفرضون أنفسهم خطباء ومرشدين ووعاظًا. إن بروز هؤلاء المهرجين أنتج لوثة سردية غير مقبولة لدى الكثير من الناس. إن ما يقوم به هؤلاء المهرجون إنما هو ضحك على عقول ساذجة وقاصرة، المراد منها إيجاد أرضية صلبة لهذا المهرج ليتفوه كيفما شاء أو أراد، وبالكيفية والصيغة والوضعية والهيئة التي يراها لنشر فكره ورأيه غصبًا وعنوة. إن التهريج وتركيب الحكايا وتغليفها ولفها بورق السولفان الملون أصبح اليوم بضاعة سائدة يعمل بها من يجيد فنها، واللافت أن هناك من يتباهون بهؤلاء المهرجين ويحتفون بهم ولا يستغنون عنهم، ولهم الحظوة والتقدير. العجيب أن بعض هؤلاء يفتقر للطرح القيم المبني على أسس حقيقية وصحيحة، راقية وسليمة، بل يحسبون أنفسهم عنادل وبلابل. إننا فعلاً نعيش أزمة تهريج يصنعها نماذج سيئة للبحث عن نجومية مزيفة. إن التهريج وسرد الحكايا يحقق شهرة، لكنه لا يحقق إنتاجًا؛ فالمهرج يصعد السلم دون مشقة ولا عناء كونه مهرجًا وسارد حكي ليس إلا، والآخر المبدع الحقيقي يحفر في الصخر ليحقق إنجازًا يفيد به البشرية وينمي الحياة ويمتع المجتمع بعيدًا عن اللغو والثرثرة والضحك على الذقون البائسة. إن المهرجين استغلوا كثيرًا من المجالس والمنابر الإعلامية لطرح ما يحلو لهم، دون أن يكون ما يقولونه منطقيًّا، أو له قيمة أو مردود، ما عندهم فكر ناضج، ولا مشروع ناجح، غير الهرف والتنظير الممل والوعظ الباهت، مع وجود تناقض كبير بين ما يقولونه وينظّرون به وما يفعلونه في الحياة الشخصية والعامة؛ يقولون الشيء ويعملون بنقيضه؛ الهدف الحقيقي من ذلك إثبات الذات وإشعار الآخرين بأنهم مهمون ومؤثرون حتى ولو كان ما يقولونه لا قيمة له ولا مضمون، ولهذا نجد أن بعض الجهلة يتقبلون ما يقوله هؤلاالمهرجون ذوو الأشكال والسحنات المتعددة ويؤمنون به، ولا يرضون بمسهم ونقدهم. ولكي تصبح الحياة بهية نقية ذات فائدة وعطاء يجب أن نلفظ بقوة كل من جعل التهريج صناعة للشهرة والارتقاء، ولا نفسح له المكان والمنبر والمحفل لكي يتقيأ الهرج ويقذف السمع والبصر بتلوث مخيف لا يجب أن يكون.