محمد سليمان العنقري
منذ عامين والاقتصاد العالمي يواجه أزمات متشعبة بداية من جائحة كورونا حتى الحرب الروسية على أوكرانيا مما عطّل سلاسل الإمداد وتسبب برفع أسعار السلع والخدمات الأمر الذي أدى لقفزات كبيرة بنسب التضخم عالمياً وخصوصاً الاقتصادات المتقدمة في أميركا وأوروبا التي لم تشهد هذه المستويات منذ أربعة عقود ورغم كل ما اتخذته تلك الدول من إجراءات عبر بنوكها المركزية من رفع لأسعار الفائدة وسحب للتيسير الكمي إلا أن معدلات التضخم شهدت ارتفاعاً بعد كل هذه الخطوات ويعتقد أن تأثيرها سيظهر قريباً بتراجع التضخم لكن لا يتوقّع أن يكون ذلك بنسب كبيرة فهم أمام تحدي خفض التضخم دون تركيع اقتصاداتهم لركود قد يكون مترافقاً مع تضخم مما سيعقد الحلول أكثر لأن جل المشكلة لأسباب ليست تحت سيطرة البنوك المركزية وأهمها الحرب في أوكرانيا
لكن اللافت هو استطلاع للشركات أُجري في بريطانيا سادس أكبر اقتصاد عالمي أظهر أنهم لا يتوقعون تحقيق أي نمو خلال الثلاثة الشهور القادمة نتيجة لأثر التضخم المرتفع الذي بدأ أثره يظهر بتراجع الطلب، بل إن العديد من الاقتصادات الكبرى في أوروبا أيضاً تم خفض توقعات النمو فيها من قبل كبرى البنوك العالمية والمؤسسات الاقتصادية الدولية لكن مثل هذه الاستطلاعات التي تقرأ رؤية عينات من الشركات بمختلف القطاعات لها دور مهم باتخاذ القرارات المناسبة من قبل الجهات الحكومية ذات العلاقة تجاه إعادة تنشيط الاقتصاد من جديد، فلا يوجد اقتصاد بالعالم بمنأى عن تأثير موجة التضخم العالمية مع وجود فوارق بقدرة كل دولة على معالجة التضخم لديها، فالأزمة الحالية تتداخل فيها تأثيرات عديدة وليست كسابقاتها بحيث يكون الحل عبر أداتي السياسة النقدية وكذلك المالية، فالأحداث السياسية أصبحت هي العامل المؤثّر الأكبر برفع التضخم فأوروبا وأميركا تريدان وقف تمويل روسيا لحربها ضد أوكرانيا واتجاههم الأساسي نحو التأثير على إيرادات روسيا من النفط والغاز ولكن عقوباتهم أدت لرفع أسعار الطاقة وأصبحت اقتصاداتهم هي المعاقبة، فروسيا تجني يومياً 883 مليون يورو من بيع النفط بينما قبل العقوبات أو في الفترة السابقة للحرب كانت بحدود 650 مليون يورو، بل إن أي خطوة إضافية ستتخذ ضد روسيا بقطاع النفط والغاز سترفع الأسعار لمستويات أعلى بكثير من الحالية حسب توقعات بنوك عالمية عديدة أي أن التضخم بكل الأحوال سيرافق العالم لفترة ليست بالقصيرة وقد تشمل عام 2023م أو النصف الأول منه على أقل تقدير مما يتطلب استعداد دولي كبير لتجاوز أزمة التضخم ومحاولة معالجة الأسباب غير الاقتصادية أي السياسية ووقف أي أعمال تصعيدية في مناطق توتر أخرى كملف تايوان الذي أصبح متصدراً بالإعلام بعد نية رئيسة مجلس النواب الأمريكي زيارة تايوان الأمر الذي تعتبره الصين انتهاكاً لسيادتها وخرقاً لمفهوم الصين الواحدة.
إلا أنه بالعودة لمفهوم أخذ استطلاعات رأي قطاع الأعمال حول توقعاتهم لنتائجهم للفترات القادمة فإن قيام جهة معنية كاتحاد الغرف السعودية أو أي جهة ذات علاقة بعمل مثل هذا الاستطلاع لعينات من مختلف القطاعات سيكون لها أهمية كبيرة في الاستعداد للمرحلة القادمة واتخاذ ما هو مناسب من إجراءات وخصوصاً أن الاقتصاد الوطني يعيش مرحلة قوية جداً، إذ بلغت نسبة النمو في الربع الثاني لهذا العام عند 11.8 بالمائة مقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي وكان للأنشطة النفطية دور كبير بهذه النسبة، حيث حققت 23.1 بالمائة بينما نمت الأنشطة غير النفطية 5.4 بالمائة، فالنسبة التي تحققت تعد من الأعلى والأفضل عالمياً وقد يصل الناتج الإجمالي للمملكة هذا العام لحاجز تريليون دولار لأول مرة تاريخياً وهو ما يشير إلى أن النمو مستمر لفترات طويلة بالاقتصاد السعودي مع طرح العديد من المشاريع العملاقة بالمملكة التي تعد من الأكبر على مستوى المنطقة والعالم وكذلك انطلاق برامج القطاعات الاقتصادية التي تستهدفها رؤية 2030 كالتعدين والخدمات اللوجستية والسباحة وغيرها، وبالمقابل فإن ما يحدث بالعالم من تطورات اقتصادية ساهمت برفع التضخم له تأثير على قطاع الأعمال السعودي بارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج المستوردة من سلع وخدمات، ورغم أن المملكة لديها حزم تحفيز عديدة مقرة تدعم قطاع الأعمال وساهمت بشكل كبير بتخفيف تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية عليه التي بدأت مع جائحة كورونا عام 2020م، إلا أن الاطلاع عن قرب أكثر على واقع تفاصيل كافة القطاعات والأنشطة المندرجة تحتها بعد موجة التضخم العالمية الأخيرة سيكون له دور كبير بإثراء بنك المعلومات لدى الجهات المعنية لدعم النمو بالأنشطة غير النفطية، فقطاع التجزئة مثلاً يندرج تحته حوالي 730 نشاطاً ويعتبر القطاع الثاني بحجم التوظيف بعد التشييد والبناء.
ارتباط المملكة وثيق بالاقتصاد العالمي؛ فهي من دول مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم وتمتلك خيارات واسعة جداً لمواجهة التضخم العالمي ولعل من أهم أدوار اتحاد الغرف السعودية المساندة بهذه المرحلة القيام بمثل هذا الاستطلاع بالتعاون مع أي جهة ذات علاقة مما سينعكس إيجاباً على توجهات الاقتصاد الوطني ويدعم تعزيز دور القطاع الخاص فيه والوصول للمستوى المستهدف بأن يمثِّل 65 بالمائة من التأثير بالناتج المحلي عام 2030 ففرصة المملكة كبيرة بتحقيق تفوق اقتصادي دولي مع النتائج الإيجابية التي تتحقق بمعدلات النمو لنكسب المنافسة العالمية بجذب الاستثمارات لاقتصاد واعد وقوي ومليء بالفرص.