د. محمد بن إبراهيم الملحم
هناك عبارة شهيرة لنيلسون مانديلا هي «إن التعليم هو أمضى سلاح يمكن استخدامه لتغيير العالم» فإذا كان الأمر كذلك فهو إذن أمضى سلاح يمكن لأية دولة استخدامه لتغيير ذاتها محلياً، ولا نقاش في ذلك، وعلى أنه «سلاح التغيير» إلا أن مشكلته الرئيسة هي «التغيير» الذي نحتاج لأن نحدثه فيه هو ليفعل أثره في التغيير المنشود في المجتمع. ومشكلة التغيير التعليمي هي أنه مستمر فلا يمكن أن يتوقف فاليوم تحتاج أن تحدث تغييرا لتنهض وغدا (بعد أن تنهض) تحتاج أن تحدث تغييرا لتواكب النهوض وبعد غد تحتاج إلى تغيير لتصل القمة ثم بعدها تغيير آخر لتحافظ على القمة وتنافس ثم تغيير رابع وخامس لمقابلة المستجدات وهكذا يستمر التغيير التعليمي ولا يتوقف، وتاريخ التغيير التعليمي في الدول المتقدمة شاهد على ذلك لمن تأمله. مشكلتنا المحلية أننا نحدث تغييرات كثيرة ليست ضمن هذه المراحل ولكنها كلها تراوح في مرحلة واحدة هي مرحلة النهوض. لقد عرّف علماء التغيير التعليمي أنه كل تغيير يرتبط بتحسين المدرسة والمعلم وما فيهما من ممارسات مهنية أملاً في الارتقاء بتعلم الطالب. وهو ما لم نصل إلى درجة الرضا عنه حتى اليوم.
مشكلة التغيير التعليمي الأخرى أنه معقد ومركب وصعب، ولذلك فعندما يتعامل معه السياسيون (الوزراء) بسطحية فإنهم لا يحققون الكثير من الإنجاز، ويقول مدير المكتب الدولي الإقليمي لليونسكو في جنيف البروفيسور الإسباني جولن كارلوس تيديسكو Juan Carlos Tedesco في بحثه حول «التغيير التعليمي من وجهة نظر صانعي السياسات»: إن الباحثين لا يتعاملون مع التغيير إلا بعد حدوثه، ويكون تعاملهم أو لغتهم وخطابهم لفهم مشكلاته وتحليل أبعاده بينما السياسيون (الذين يحدثون التغيير التعليمي) وكذلك أبطال التغيير معهم يكون خطابهم قبل أو أثناء التغيير ويكون عادة لتبرير التغيير وتسويقه، وهؤلاء لا يشرحون الصعوبات ولا يتحدثون عن الدروس المستفادة أبداً كما يفعل الباحثون. ويقول إن هذه الظاهرة المنتشرة عبر عدة دول تقوم بإنضاب قيمة التغيير التعليمي. ومن أجل هذا فقد قام في بحثه بعمل مقابلات شخصية مع عدة وزراء تعليم ونواب وزراء تعليم متقاعدين في عدة دول في آسيا والباسيفيك في دول متقدمة وأخرى نامية وقد أجرى المقابلات وزير سابق وطرحت فيها أسئلة حول ممارساتهم أثناء عملهم وما يمكن استنتاجه حول التغيير وقد عكست إجابات المتعاونين معه إلى صعوبات يواجهونها هؤلاء الوزراء أبرزها أنه ليس عندهم وقت كاف للتفكير والتأمل، وعندهم صعوبات في تحليل العمليات في خضم العمل اليومي الضاغط، ولديهم صعوبات في الإفصاح عن آرائهم بشفافية تامة، وأخيراً هناك مشكلة الضغوط السياسية والتي لا يترجح فيها الشك ولا اليقين.
واحدة من أبرز الموضوعات التي تحفل بها كتابات التغيير التعليمي هي المشاركة Participation ، حيث يدعو علماء التغيير التعليمي إلى إشراك المعلمين والممارسين التعليميين بكل فئاتهم في «صناعة» القرار التعليمي، وهذه الدعوة تتكرر كثيراً في الكتابات وكذلك في المقالات مما يدل على أنها ظاهرة منتشرة لدى أغلب السياسيين الذين يقودون التعليم في العالم، ولا غرو في ذلك فعملية المشاركة وآلياتها ليست يسيرة، بل قد يمارس بعضهم ما يسميه «مشاركة» بينما يصفها المراقبون أنها ليست كذلك ومن مثال ذلك اختيار عدد من المعلمين والممارسين بشكل قصدي وغالباً يكونون ممن لا يملكون عمقاً في التفكير وقدرة على التأثير، وأحياناً يتم اختيار هؤلاء من فئة جيدة ولكن تكون عملية إدارة اجتماعات القرار وتلخيص نتائجها بواسطة المؤسسة التعليمية متحيزة أو غير نزيهة وهو أمر لا يملك أحد إثباته أو الاعتراض عليه بالنسبة لعملية غير رسمية مثل هذه.
إشراك الممارسين التعليميين ومنهم المعلمون في القرار عملية تحتاج إلى إجراءات دقيقة ومتقنة وإدارة مخلصة ونزيهة عن قصد وحسن نية مما سيجعلها ذات أثر فعّال، وقد كتب في هذا المجال الكثير الكثير مما لا يتسع له المقام هنا. وخلاصة القول إن عملية التغيير التعليمي عملية سياسية في المقام الأول تحتاج أن تعتني بها الدولة على مستوى أعلى من مستوى الوزارة.