صبار عابر العنزي
الخير هو كل ما يثير الإحساس الإنساني بالرضا لدى البشر، حيال ما يقدم لهم من أعمال أو تصرفات، ومن الصعب على الباحث تعريفه بدقة متناهية على أنه الممتع أو المرضي؛ لأنه يظل مرتبطًا بالظروف دائمًا.
وتعد أعمال الخير من أفضل الأعمال التي يقوم بها الإنسان في حياته وأحبها إلى الله الذي ذكر فضل وأهمية عمل الخير والمعروف في كل الكتب السماوية التي أنزلها على البشر، وخص فاعل الخير بالعديد من الحسنات وبمنازل خاصة في الجنة، وهو ما شجعني على التحدث بشكل مفصل عن فضل عمل الخير وانعكاسه الإيجابي على حياة الفرد والمجتمع بشكل عام.
فقد كثر الكلام في هذه الفترة عن أعمال الخير والإنسان الخيِّر وبقي أن نوضح هذا الموضوع بكلمة بسيطة عن الخير وعن وسائله أيضًا، فالخير في ذاته، وهدفه، وفي وسيلته، وبقدر الإمكان يكون خيرًا في نتيجته.
فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة». فهذه أبواب عظيمة من أبواب الخير، يعلمها لنا مُعلِّم الخير.
ونحن نتكلم عن الخير بمعناه النسبي فقط، أقصد بالنسبة إلى ما نستطيع إدراكه، وما نستطيع عمله منه، أو بمعنى أشمل بقدر فهمنا البشرى له، وبقدر طاقتنا المحدودة في ممارسته.
فالإنسان الخيّر يعمل باستمرار على توسيع طاقاته في تقديم الخير، ويظهر هذا في اشتياقه لهذا العمل؛ لأنه يشعر في أعماقه بأن هناك آفاقًا في الخير أبعد بكثير وأوسع مما يفهمه حاليًا.
والخير فيه لذة، حتى إن كان مملوءًا آلامًا؛ فآلامه حلوة، تريح القلب، ويجد الإنسان فيها لذته؛ لأنه دائمًا وأبدًا لا يشترك إطلاقًا مع الشر؛ فهو مصباح للنور وضد الظلمة.
إن وسيلة الخير ينبغي أن تكون خالية من أي شبهات تفقده بريقه ولذته الروحانية، والخير لا يقبل وسيلة شريرة توصل إليه، فالذي يلجأ إلى الكذب لينقذ إنسانًا أو يلجأ إلى القسوة والعنف لكي ينشر بهما الحق أو ما يظنه حقًّا، أو من يلجأ إلى الرشوة لكي يحقق لنفسه خيرًا، أو يلجأ إلى الإجهاض لكي ينقذ فتاة، كل أولئك استخدموا وسائل شريرة لكي يصلوا بها إلى الخير أو ما يظنونه خيرًا.
فهذه كلها وسائل سهلة وسريعة، يلجأ إليها البعض تلقائيًّا دون أن يحاول أن يبذل مجهودًا للوصول إلى الخير، ودون أن يبذل تضحية أو يبذل جهدًا ذهنيًا ليقدمه فيرى مثلاً في الكذب حلاً سريعًا وسهلاً.
أما الإنسان الحكيم الخيّر فإنه يفكر ويجهد ذهنه بعيدًا عن هذه الوسيلة ويقينًا أنه سيصل إلى وسيلة أخرى تريح ضميره.
ففعل الخير يلعب دورًا أساسيًا في تقوية العلاقات الإنسانية بين البشر، ويجعلهم كالبنيان المرصوص، كما يسهم في تنقية النفس البشرية من كل الصفات السيئة التي تتسبب بتفكك المجتمع وانهيار العلاقات الإنسانية.
كما تساهم أعمال الخير بشكل كبير في القضاء على الأمراض التي يعاني منها المجتمع، وتتسبب بدماره وتراجعه، وتسهم بدوام الأمة وبقائها عزيزة قوية؛ لأنها تعزز من قيم المحبة والتماسك والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد دون تميز، وتزيل كل أشكال الحقد والكراهية.