اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والمملكة تتوسع في علاقاتها بما يخدم مصالحها على نحو يتسم بالمرونة وتعدد الشركاء والحلفاء، كما تعمل على الانتقال من سياسة الظل إلى سياسة الظهور والمواجهة والاعتماد على الذات من أجل حماية أمنها القومي والدفاع عن مصالحها الاستراتيجية، مما يعزز نفوذها ويجعلها تأخذ مكانها الطبيعي في النظام الإقليمي والعالمي مع الحرص على استمرار الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الذي تتطلع فيه إلى علاقات أوسع مع روسيا والصين ضمن سياسة معتدلة ومتوازنة.
ولا يخفى على كل منصف أن المملكة انطلاقاً من حكمتها السياسية ونظرتها الواقعية وطاقتها النفطية تمثل صمام الأمان في المواقف الصعبة والأزمات خاصة في مجال الطاقة، ومرد ذلك يعود إلى قيادتها الواعية وما تملكه من قدرات مادية ومعنوية تؤهلها للتدخل لحل الأزمات في الأوقات الحرجة كما هو الحال بالنسبة لأزمة الطاقة التي نجمت عن الحرب الروسية الأوكرانية، وما ترتب عليها من عقوبات اقتصادية جعلت أنظار العالم تتجه نحو المملكة للتخفيف مما قد يعانيه العالم من نقص في الإمدادات النفطية.
والصراعات بين الدول تضع العلاقات على المحك والسياسات في المعترك، والولايات المتحدة تمثل الدولة الأولى في العالم من حيث امتلاك عناصر القوة بالنسبة للدولة، ويتطلع الكثير إلى أن يكون شريكًا لها، والمملكة حريصة على استمرار الشراكة معها في ظل الاحترام المتبادل والتعامل المتماثل بعيدًا عن بيع الذمم والتسويق للقيم باستخدام مبررات مرفوضة وذرائع مبغوضة.
ولا بد من الاعتراف بأن الشراكة السعودية الأمريكية بُنيت في عصرها الذهبي على نوايا أمينة وعلاقات متينة بفضل الالتزام الأمريكي الواضح تجاه أمن المملكة وأمن الخليج مساهمة بصورة فعالة في استتباب هذا الأمن والمحافظة على استدامته، الأمر الذي ساعد المملكة على الوفاء بالتزاماتها والتفرغ للبناء والتنمية وهي مطمئنة على مصداقية الشريك وما يتحمله من الأعباء الأمنية والدفاعية.
والشريك الأمريكي في زمن الشراكة الصحيح والتعامل المريح يعترف لشريكه بالندية ويحترم عقيدته الدينية وخصوصياته السياسية وارتباطاته مع الآخرين، آخذًا في الحسبان أن لكل طرف إراداته الحرة في اختيار الأصدقاء والحلفاء وتبادل المصالح مع مَنْ يشاء من دول الشرق والغرب، وفقًا لما تمليه لزوميات السيادة وحرية الإرادة.
ولا شك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وثورات الربيع العربي وتعامل أوباما مع الملف النووي الإيراني وسياسة فك الارتباط الأمريكي بالشرق الأوسط ومشروع الشرق الأوسط الكبير، كلها علامات بارزة فرضت على المملكة مراجعة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وتبني سياسة خارجية خارج المحيط الأمريكي بما يخدم أهدافها ومصالحها الداخلية والخارجية.
وفي السنوات الأخيرة تنكرت بعض الإدارات الأمريكية للشراكة ونهجت نهجًا تغلب عليه الأنانية والنرجسية الذاتية، والنزعة التعسفية، متجنية على المملكة ومتجاهلة مصالحها المشروعة إلى الحد الذي أصبحت معه العلاقة غير موثوقة على الصعيد الدفاعي والأمني بعد أن تنصلت هذه الإدارات من التزاماتها ولم تحترم تعهداتها، وحل ضررها محل نفعها وجلبت لشريكها المتاعب بدلاً من المكاسب.
وفي زمن أوباما فقدت الشراكة معناها وأوشك على الانهيار مبناها نتيجة للاتفاقيات السرية التي حصلت بينه وبين إيران على هامش الاتفاق النووي حيث إن هذه الاتفاقيات أخرجت الشراكة الدفاعية والأمنية عن مكانها الصحيح، وجعلتها في مهب الريح.
ولم يكتف بايدن بما فعله أوباما وإنما ذهب بعيدًا في تجاهل الشراكة الدفاعية والأمنية، وأحدث شرخًا في العلاقات البينية نتيجة للتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة والتجني عليها من خلال اتهامها باتهامات باطلة، وما يتلفظ به ضد المملكة من ألفاظ هابطة، محاولاً تصدير قِيَمه غير المرغوب فيها إلى دولة تنظر إليها بأنها نقم وليست قيمًا.
وانطلاقًا من أن الغاية تبرر الوسيلة عقد بايدن العزم على زيارة المملكة تحت ضغط المواجهة مع روسيا في أوكرانيا طمعًا في أن تستجيب له المملكة بزيادة إنتاجها من الطاقة للحد من تأثير الأسعار على أوروبا نظرًا لأن الحرب في أوكرانيا ترتب عليها تداعيات مفاجئة أثرت على قطاع الطاقة العالمي.
وهذه الزيارة ذات أهداف انتخابية وسياسية واقتصادية وأمنية وتنطوي على رسائل كثيرة، كما أنها بمثابة اعتراف بفشل سياسة فك الارتباط الأمريكي بالشرق الأوسط بحجة التفرغ لمواجهة الصين.
وبعد أن حل بايدن ضيفًا في المملكة التقى الملك سلمان ثم بعد ذلك عقد صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اجتماعًا رسميًا مع الرئيس الأمريكي، حيث كان هذا الرئيس على موعد مع ثوابت السياسة السعودية التي لا تسمح لأحد بالمساومة على سيادتها ولا تقبل أنصاف الحلول فيما يتعلق بأمنها القومي ومصالحها العليا.
والتدخل في الشؤون الداخلية للدولة سواء عن طريق التطاول على قادتها أو التعاطي مع قضايا المواطنين فيها تعاطيًا منكرًا باسم حقوق الإنسان أو التدخل في علاقاتها وتعاملاتها مع الدول الأخرى، كل هذه الممارسات ترفضها المملكة لما فيها من انتهاك السيادة والتعدي على الإرادة والامتهان للكرامة وهي أمور قد يترفع عنها الأعداء فكيف يقع فيها الأصدقاء.
والمملكة لها ثوابت ثابتة مطلوب من الآخرين احترامها وعدم المساس بها، وفي مقدمة هذه الثوابت العقيدة الدينية والقيم الإسلامية، وما في حكم ذلك من الفضائل والمثل التي تحث عليها الأديان السماوية وتدعو إليها الفطرة الإنسانية من أجل استمرار الحياة وخدمة البشرية.