«الجزيرة» - الاقتصاد:
تصاعدت التحديات التي تواجهها البنوك المركزية العالمية في ظل استمرار ارتفاع أسعار المستهلكين، خاصة في ظل الإمدادات المحدودة. وكان كلا من جانبي العرض والطلب مسؤولين عن التضخم. ويعكس التضخم في جانب الطلب بصفة رئيسية ثلاث سنوات من اتباع السياسات النقدية التيسيرية للتعامل مع جائحة كوفيد-19 بهدف تعزيز الانتعاش الاقتصادي ودعم القطاعات الضعيفة.
حاء ذلك في تقرير لشركة كمكو انفست.
من جهة أخرى، كان الصراع الروسي-الأوكراني من العوامل التي ساهمت في رفع معدلات التضخم الناتج عن جانب العرض بسبب نقص المواد الغذائية الواردة من المنطقة، فضلاً عن تقييد الإمدادات الروسية من النفط والغاز الطبيعي. وكان لارتفاع أسعار المواد الغذائية انعكاس قوي على المستهلك خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وفقاً للبنك الدولي. وفي ذات الوقت، ظلت أسعار النفط مرتفعة، في ظل تشديد أوضاع السوق بسبب مرونة الطلب والإمدادات المحدودة.
وكان سوق السندات الأكثر تضرراً بسبب ارتفاع معدلات التضخم، حيث ظلت عائدات سندات الشركات مرتفعة، ومع صعود الدولار الأمريكي أصبحت إعادة تمويل السندات من أبرز التحديات الرئيسية التي تواجهها الشركات. فعلى سبيل المثال، تزايدت حالات الإعسار في المملكة المتحدة ووصلت إلى أعلى مستوياتها المسجلة منذ أكثر من عقد من الزمان خلال الأشهر الثلاثة الماضية بسبب ارتفاع معدلات التضخم، بينما في تركيا، تعرضت الشركات لضربة مزدوجة نتيجة لضعف الليرة التركية وارتفاع معدلات التضخم، مما شكل تحديات هائلة.
كما انعكست المخاوف وتزايد إمكانية دخول الاقتصاد في مرحلة الركود في دفع أسواق الأسهم نحو التراجع على مدار ربعين متتاليين حتى الآن هذا العام. إلا أن أرباح الشركات ما زالت مرتفعة كما يتضح من إعلانات الأرباح الأخيرة فيما يعزى بصفة رئيسية إلى تزايد الطلب بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار. وعلى الرغم من ذلك، يمكننا أن نتوقّع ظهور تأثير ارتفاع تكاليف التمويل وضعف معنويات المستهلكين في فترات إعلان النتائج المالية القادمة مع نهاية العام.
وكشفت أحدث البيانات الشهرية وصول معدلات التضخم مجدداً إلى مستويات لم نشهدها منذ عقود. وهناك إستراتيجيات مختلفة مطروحة للنقاش لكبح جماح التضخم على مستوى العالم بما في ذلك تشديد السياسات النقدية وتوفير الدعم الحكومي للمواد الأساسية ورفع الحد الأدنى للأجور وتحويل الإعانات المباشرة للمواطنين.
ويظل رفع أسعار الفائدة من أهم الأدوات التي يمكن استخدامها كما يتضح من سياسات رفع أسعار الفائدة التي شهدناها مؤخراً. ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع معدلات الفائدة إلى إضعاف الطلب الإجمالي والمساهمة في التحكم في الأسعار. إلا أن أسعار الفائدة المرتفعة كان لها تأثير أقل من المتوقع مما أدى إلى تصاعد الضغوط الانكماشية والتي قد يطول أمدها وتحدث تأثيرات عميقة قبل التمكّن من السيطرة على الأسعار.
وكانت معدلات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي أقل بكثير من نظيراتها من الدول المتقدمة والناشئة. ويعزى نمو معدلات التضخم بوتيرة معتدلة في دول مجلس التعاون الخليجي بصفة رئيسية إلى تحسن النشاط الاقتصادي في المنطقة، حيث أدى ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى إنعاش الخزائن الحكومية. وعلى الرغم من قيام دول مجلس التعاون الخليجي باستيراد نحو 90 في المائة من إمداداتها الغذائية، إلا أنها نجحت في تجنب اضطرابات سلسلة الإمدادات الغذائية المرتبط بالصراع الروسي -الأوكراني بصفة رئيسية من خلال تنوّع مصادر استيراد المواد الغذائية. بالإضافة إلى ذلك، أدى تحديد الحكومة للسقف الأعلى لزيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية والوقود إلى حماية المستهلكين في دول مجلس التعاون الخليجي من الزيادات الحادة لتلك الفئات.
وتعتبر السعودية من الدول القليلة على مستوى العالم التي لم تشهد ارتفاع معدلات التضخم خلال العام 2022. ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من المتوقع أن يرتفع التضخم في المملكة بنسبة 2.2 في المائة في العام 2022 وبنسبة 2.7 في المائة في العام 2023.
وبالمقارنة، سيصل معدل التضخم في مجموعة العشرين إلى 7.6 في المائة في المتوسط في العام 2022 بينما ستشهد دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية زيادة في معدل التضخم إلى 8.8 في المائة خلال نفس الفترة. وكانت القفزة التي شهدتها أسعار النفط والمواد الغذائية العالمية هي المحرك الرئيسي للتضخم في معظم دول العالم. إلا أن انخفاض اعتماد المملكة على صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا وتجميد صعود أسعار البنزين ساهم في التخفيف من وطأة التضخم في البلاد. وقرَّرت الحكومة السعودية تثبيت سقف سعر البنزين في يوليو 2021 لدعم الاستهلاك المحلي وتعزيز النمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإيجارات التي تشكل أكثر من 20 في المائة من مؤشر أسعار المستهلكين في المملكة آخذة في الانخفاض مما يساهم في بيئة التضخم المنخفضة.
أما بالنسبة لأداء التضخم على أساس شهري، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في السعودية بنسبة 2.3 في المائة على أساس سنوي في يونيه 2022 .
من جهة أخرى، انخفض معدل التضخم في المملكة على أساس شهري مقارنة بشهر مايو 2022 بنسبة 0.2 في المائة، وفقاً للهيئة العامة للإحصاء. وشهدت أسعار فئة التعليم ارتفاعاً بنسبة 6.2 في المائة على أساس سنوي في يونيه 2022 مسجلة أعلى معدل نمو على مستوى المؤشرات الأخرى، تبعها مؤشر أسعار مجموعة الترفيه الذي سجل نمواً بنسبة 5.9 في المائة على أساس سنوي في يونيه 2022 .