سارا القرني
يبدو أنّ قمّة جدة بدأت تؤتي ثمارها، فبعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية متحفظةً على تزويد حلفائها بالأسلحة..أو كما يردّد البعض بأنّ الولايات المتحدة فرضت حظر تسليح على السعودية، ها هي الآن توافق على بيع السعودية منظومة صواريخ باتريوت بمعداتها وكذلك الدعم اللوجستي لها.
الاتفاق السعودي الأمريكي هو ثمرة التعامل بالندية بين البلدين، ففي السابق.. هو التوجه السائد في التعامل مع الولايات المتحدة، لكنّ موازين القوى تتغير وكذلك مصالح الدول، اليوم تعيد أمريكا تقييم نظرتها للشرق الأوسط على أنها حليف لا يمكن الاستغناء عنه في مواجهة الدب الروسي والتنين الصيني، لأنّ آمالها خابت كثيراً في استخدام حلفائها كورقة ضغط على هذين العملاقين، إذ ترفض المملكة زيادة إنتاج النفط على حساب روسيا التي فرضت أوروبا وأمريكا عقوباتها عليها، وبالتالي قلّت سلاسل الإمداد وارتفع السعر بشكل لا يمكن أن تتحمله أوروبا أو أمريكا على المدى الطويل!
صفقة منظومة الصواريخ التكتيكية التي وافق عليها البنتاجون ويجهز أوراق اعتمادها للكونجرس.. لن تغيّر موازين القوى في المنطقة، بل تزيد من قدرات المملكة على ردع ومواجهة الاعتداءات الخارجية من طيارات بلا طيار أو الصواريخ الباليستية وأي خطر يهدّد سلامة مواطنيها والحفاظ على أراضيها، ورغم ذلك فإنّ الإدارة الأمريكية كانت تحاول بشكلٍ ما أن تجعل المملكة ضعيفة أمام هذه الاعتداءات بعدم تزويدها بالأسلحة التي تحتاجها، وبات الخوف الأمريكي من توسيع المملكة إضافة إلى عدد من الدول الأخرى تعاونها في المجال العسكري مع روسيا والصين سبباً آخر لتخفيف التوتر بينها وبين المملكة!
المملكة لا تبحث عن مصلحتها وحدها في المنطقة، فهي بثقلها الديني والعربي بين دول المنطقة تسعى لإيجاد شرق أوسط آمن، ولذلك كانت المطالب أن تضع الولايات المتحدة تعهداتها الرسمية بعدم توقيع اتفاق نووي مع إيران دون النظر إلى مخاوف دول المنطقة وعلى رأسها السعودية ودول الخليج، وتضييق الخناق على أجندة إيران السياسية والعسكرية من خلال عدم تنحية الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، وعدم العودة إلى طاولة المفاوضات دون تنفيذ مطالب فعلية أولاً وهو الذي حدث حينما تنازلت إيران عن شرط تنحية الحرس الثوري من القائمة.
ليست مصادفةً أن تُعلن أوبك+ عن زيادة إنتاجها مع خروج التصريح الأمريكي بالموافقة على بيع منظومة الصواريخ وكذلك إعلان الموفد الأمريكي استئناف المفاوضات في فيينا حول الملف النووي الإيراني، والأهمّ.. هو زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان، والذي يؤكد أنّ أمريكا ماضية في مواجهة التنين الصيني بعد أن أعادت تقييم نظرتها وأزالت بعض التوتر بينها وبين حلفائها، وهو التوتر الذي سمح للروس والصينيين أن يناوروا أمريكا سياسياً في الشرق الأوسط بعد الفراغ الذي تسببت به الأخيرة جراء تعاملاتها السابقة للضغط على المملكة.
أخيراً أتذكر ثعلب الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر عندما قال «على أعداء أمريكا أن يخشوا أمريكا، لكن على أصدقائها أن يخشوها أكثر»، وأظنّ أنّ الزمن الذي تنطبق عليه هذه المقولة قد بات قريباً من نهايته، فعلى أمريكا الآن أن تعرف أنها تحتاج إلى حلفاء أكثر، وأن تبحث عن أعداء خارج هذه المنطقة، كما بدأت تفعل الآن!