مسفر آل فطيح
العراق بلد غني بموارده الطبيعية التي تتمثّل في النفط ونهري دجلة والفرات والأرض الخصبة والقوة البشرية والعلماء العراقيين الأفذاذ، وكلها كفيلة بأن تجعل المواطن العراقي يعيش في حالة من الرخاء والأمن والاستقرار، وكانت تعيش في الأمن والرخاء والازدهار ولكن بعد سقوط النظام الملكي عام 1958 على يد عبد الكريم قاسم لم يستقر العراق سياسياً وأمنياً واقتصادياً، دخلت البلاد في حقبة من الانقلابات العسكرية والتصفيات والاغتيالات، وكان الصراع محتدم بين الشيوعيين والبعثيين، الشيوعيين يدعمون عبد الكريم قاسم، وبعد ازدياد عددهم وتأثيرهم تدخل جمال عبدالناصر كعادته في الإطاحة بعبدالكريم قاسم وفشلت محاولة الانقلاب وانقسم الشيوعيين إلى قسمين وزادت فرص حزب البعث في الاستيلاء على السلطة، أبعد عبد الكريم قاسم رفيق دربه عبد السلام عارف ووضعه تحت الإقامة الجبرية مما عزَّز فرص البعثيين بالاستعانة بعبد السلام عارف وفعلاً تم الانقلاب على الرئيس عبد الكريم قاسم وقتله في مقر وزارة الدفاع العراقية في شهر رمضان وكان أحمد حسن البكر أحد قادة ذلك الانقلاب وكان صدام حسين شاباً متحمساً لتلك العملية وتم تنصيب عبد السلام عارف الذي كان تحت الإقامة الجبرية..
كانت خطورة النظام الملكي الإيراني الذي يقوده الشاه آنذاك على العراق لا تقل خطورة من الضباط العسكريين من مختلف الأحزاب البعثية والاشتراكية والشيوعية للصراع على الحكم، وبعد ذلك سقطت مروحية الرئيس في ظروف غامضة وتم تنصيب عبد الرحمن عارف (شقيق الرئيس عبد السلام عارف) رئيساً على العراق بعد مقتل أخيه، بدأت قوة حزب البعث الذي كان محظوراً تزداد، توجه أحمد حسن البكر وصدام حسين وعدد من أعضاء قيادة الثورة (البعثيين) إلى قصر الحكم وتم تنحية الرئيس عبد الرحمن عارف من دون مقاومة، واستلم أحمد حسن البكر رئاسة العراق وتم سجن العديد من الشيوعيين غرماء البعثيين حتى تمت المصالحة معهم عام 73، أطلق أحمد حسن البكر الصلاحيات لصدام حسين لوجود العلاقة العشائرية بينهما وتم إبعاد المنافسين لصدام من استلام منصب نائب الرئيس سواءً بالقتل أو الإبعاد خارج العراق، تم تزكية صدام نائباً للبكر من قبل أهم عضوين في القيادة القطرية لحزب البعث وهما: طه ياسين رمضان وعزت الدوري، وحفظ صدام هذا الوفاء لطه ياسين رمضان عندما تمت محاكمته في المحكمة وطالب بإطلاق سراحه وعدم توجيه أي تهمه له وحمَّل نفسه المسؤولية بشرط تبرئة رفيق دربه..
في تلك الفترة كان صدام حسين هو الحاكم الفعلي للعراق، وكانت إيران تشكل تهديداً بدعم الأكراد ضد العراق الذي لم يتعاف من الاغتيالات والتصفيات والصراع على الحكم، أدرك صدام خطورة إيران وجهاز السافاك الذي كان يرتبط بالشاه مباشرة وعلاقة إيران مع الغرب وأمريكا كانت في أفصل الحالات..
يقال إن حردان التكريتي كان منافساً لصدام حسين وتم اغتياله وكان الذي يقف خلف الاغتيال هو ناظم كزار بأوامر من صدام نفسه، وأصبح كزار مديراً للأمن العام وبطش بالشيوعيين وأطلق صدام له أغلب الصلاحيات حتى أصبح أحد الرموز الوطنية في البلاد، عندما يتم التخلّص من أحد المنافسين توجه له تهمة تدبير انقلاب على الحكم وفي تلك الحالة يتم السجن أو القتل، كزار دبر عملية انقلاب على أحمد حسن البكر (الرئيس) وصدام حسين (النائب) وكانت ناجحة لولا تدخل مخابرات الاتحاد السوفيتي التي أبلغت عنها قبل حدوثها بفترة قليلة جداً، تم اعتقال ناظم كزار وإعدامه فوراً، أحكم البعثيين سلطتهم على العراق بشكل مطلق وعاشت البلاد نهضة علمية واقتصادية خلال فترة السبعينات، وتم تأسيس العديد من الأجهزة العسكرية والأمنية وكانت إيران بزعامة الملك محمد رضا بهلوي تمثّل تهديداً للعراق على وجه الخصوص وكانت تدعم الأكراد بالمال والسلاح، إيران كانت وما زالت تمثّل تهديد للعرب حتى في ظل الشاه، تم عقد اتفاق الجزائر وكان صدام آنذاك نائباً للرئيس وهو من قام بالتوقيع ويتمثّل في إعطاء إيران شط العرب مقابل عدم دعم الأكراد، يبدو أن صدام كان يعرف خطر إيران أكثر من غيره، من غرائب السياسة أن الخميني كان في النجف ويلقى الدعم من نظام حزب البعث مقابل دعم إيران لأكراد العراق ولكن الخطر الإيراني موجود سواء كان تحت حكم الشاه أو الخميني..
كان هناك تناغم بين حزبي البعث في سوريا والعراق، ولكن صدام لم يكن مسروراً من علاقة أحمد حسن البكر (رئيس العراق) وحافظ الأسد رئيس سوريا آنذاك، لأن التقارب السوري العراقي يمنح حافظ الأسد زعامة حزب البعث والبكر النائب، سقط النظام الملكي الإيراني، اقترح الرئيس العراقي (البكر) تقديم تهنئة للخميني ورفض صدام (النائب) هذا الاقتراح، ربما كان يستشعر صدام الرد الإيراني، أخيراً تمت الموافقة على اقتراح الرئيس وتم تكليف الدكتور حسن علوي ومع أحد الأعضاء ولم يتم استقبالهم من الخميني، كانت إحدى نقاط القوة لصدام لإزاحة البكر من الرئاسة مع عدم رضا صدام من التقارب مع حافظ الأسد، بشكل أو آخر تم إزاحة البكر من رئاسة العراق، واستلم صدام الرئاسة وكان أول اجتماع هو في قاعة الخلد المعروفة، وجمع كافة أعضاء حزب البعث وتحدث عن مؤامرة خيانة تم كشفها حسب تعبيره وكانت لصالح حافظ الأسد، ويُقال إنه بهذا قطع العلاقة مع الأسد وتم سجن وإعدام من رفضوا توليه الرئاسة..
كانت إيران تمر بمرحلة حرجة وهو إعدام الكثير من جنرالات الجيش وضباط جهاز السافاك الذي كان يتبع نظام الشاه الذي سقط حديثاً، من أهداف إيران هو تصدير الثورة للعراق تحديداً وتعتبره البوابة الشرقية للعرب، وصدام كان يريد استعادة شط العرب الذي أعطاه للشاه، كان يدرك خطر إيران رغم الزيارات الدبلوماسية والتطمينات، أحد أسباب نشوب الحرب العراقية الإيرانية هو الطموح الإيراني بالسيطرة على العالم العربي بشكل أو آخر والسبب الآخر هو الخوف من عودة النظام الملكي في إيران، لذلك الخميني صنع عدو للإيرانيين وشبه صدام بهتلر لتثبيت حكمه بشكل أو آخر..
نشبت الحرب العراقية الإيرانية بعد اعتداءات متكررة من إيران بالقصف المدفعي وتم إلغاء اتفاق الجزائر، وتم تدمير العديد من المطارات الإيرانية وظهر تفوق الطيران الحربي العراقي والاجتياح البري، وتم دخول إيران والاستيلاء على بعض المدن الإيرانية المتاخمة للحدود العراقية، استمرت الحرب بين كر وفر وزادت الأرباح للشركات التي تبيع السلاح في مختلف أنحاء العالم، عام 1986 تم احتلال جزيرة الفاو العراقية، وأدرك صدام خطر الإيرانيين، وأخذت المعارك المسار الأخطر وهو الهجوم على ناقلات النفط الإيرانية، وكان تكتيكاً ناجحاً للعراق وبذلك تم إيقاف الزحف الإيراني، يذكر بأن إيران رفضت الحل السياسي عام 1982 حتى إسقاط الحكم في العراق كما كان يحلم به الخميني، تم استخدام الأمواج البشرية من قبل إيران وهو الدفع بالشباب صغار السن للمعارك من دون تدريب أو تأهيل يذكر وفشلت في ذلك، حررت العراق جزيرة الفاو وهزمت إيران وكان انتصاراً ساحقاً للعراقيين وظهرت إيران وكأنها الخاسرة في تلك الحرب وقبلت مبادرة عام 1982 على مضض وقال الخميني (إنني أوقع الاتفاق وأنا أتجرّع السم)، وتم عقد الاتفاق وإنهاء الحرب عام 1988 .
يتبع