سارا القرني
الحريةُ إطارٌ تعيش فيه المجتمعات وفقاً لتعاليمها وعاداتها وتقاليدها المتاحة للجميع، تجدُ منهم من يأخذ بتلك العادات ومن يتركها، لكنهُ لا يرمي بها عرض الحائط أو يخالفها رغبةً في التميز، إذ أنّ فعله ليس حرية.. بل سوء أدب!
الحرية عاملٌ من عوامل الرقيّ، لكنها ليست مظهراً من مظاهر الوعي، فالوعي لا يقُاس بالحرّية متجردةً دون محدّداتها، وأهمّ أدواتها ومحدّداتها هي آداب استخدامها!
حرّيتك يحدّدها أدبك.. فكلّ ما يتعدى الأدب هو ممارسةٌ غير أخلاقية للحرية وتشويهٌ لها، والنيّة مناطُ كلّ شيءٍ ومعيار تقييمه، لاعب الجمباز الذي يقفز بحريةٍ كي يُبهر الجميع.. مشاهدتهُ مسلّيةٌ وممتعة لكلّ أطياف المجتمع حتى المعاقين منهم، لكنّ نفس اللاعب الذي يتعالى بقدرته على فعل أشياء يعجز عنها الآخرون.. يُسيء لنفسه والمجتمع بجميع أطيافه!
مشاهير برامج التواصل الاجتماعي خير مثال على ما أقول، تجد المرأة التي أنعم اللهُ عليها بالشهرةِ.. تمارس حريتها كولاية على النساء ونائبةً عنهنّ في أمورهنّ، تُملي عليهنّ طريقة عيش الحياة والتمرّد على الواقع، رغم أنّ العوامل مختلفة، والظروف مختلفة والرحلة بأكملها مختلفة بينها وبين غيرها من النساء!
وتجد الرجل الذي أكرمه الله بالشهرة.. يجاهر بما يخالف المجتمع قولاً أو فعلاً، ويحاول إلباسه بلباس الحرّية المزعوم، كي يشرعن ما يفعله بغضّ النظر عن تأثيراته على المجتمع أو تداعياته على أبناء وبنات الوطن.
ماذا يعني أن تترك المشهورة وطنها كي تذهب إلى دولةٍ أخرى -قريبةٍ أو بعيدة- لتمارس كلّ أنواع الانحلال لبساً وفكراً ومفهوماً وترويجاً، دون أن تطالها العقوبة؟ وماذا يعني أن أكون مشهوراً في وطني ومحترماً، لكنّ احترامي يختلف كلّياً أو ينعدم بمجرّد خروجي خارج حدود الوطن؟
قبل مدةٍ خرجت لنا إحدى المشهورات وصديقتها بالإساءة إلى إحدى الدول التي تربطها علاقات وثيقة مع المملكة، وجاءت العقوبة لتكون بدايةً لسلسلة عقوبات على الآخرين في سبيل ردع التجاوزات والحدّ منها.
لكنّ الأمر يتجاوز الإساءة بشكل مباشر.. إلى ترويج الإساءة بأشكال مختلفة، منها المتاجرة بقضية الحجاب، من أرادت زيادة المتابعة خلعت حجابها، ومن أرادت زيادتها أعادته، رغم ادّعائهم أنه حرّية.. إلا أنّ إعلانهم عن الأمر بشكل مريب ومكثف في حال الخلع أو الارتداء هو السرّ وراء تصنيفه كحرية أم إساءة.
قبل أيام.. خرج المستشار القانوني محمد الوهيبي بتصريح أقلّ ما يُقال عنه أنه صدمة لمن لا يرى الصورة بشكل واضح، قال في تصريحه إنهُ وقفَ بنفسه على قضايا تُنظر في المحاكم لشركات تقوم بدفع رواتب شهرية لمشاهير التواصل الاجتماعي (سعوديون وبعض من يدّعون أنهم سعوديون) لينشروا محتوى مسيئاً للمجتمع، هذا التصريح يجعل كثيراً من المشاهير مثيري الجدل أو (مثيري القرف) أمام علامة استفهام كبيرة، أوّلهم من غادروا إلى دولة أخرى ليبثوا سمومهم بكل حرية دون رقيب أو حسيب، برداء البحر أو البيجامات التي تعرّي أكثر مما تستر، ومن ضيقِ الفكرِ إلى ضيق الملبس، ناهيك عن الشتائم المقززة تجاه من يخالفهم أو ينتقدهم في كلّ ظهور لهم!
التشريعات الجديدة التي وضعتها المملكة للحدّ من المحتوى السيء في الإعلانات إيجابية وتدعو للتفاؤل، وستمنع الكثير من الضرر قبل حدوثه، لكنّنا نحتاج إلى أكثر من تقنين محتوى الإعلانات، نريد تقنيناً لأسلوب الحياة التي ينشرها المشاهير، والتي يختلف فيها التعرّي بين الفكر والجسد تماشياً مع احتياجاتهم في تلك اللحظة.
تقول واحدة من تلك المشهورات «جسدي وأجساد النساء ليس عورة» وليتها توقفت عند هذه الكلمة، بل تجاوزتها وقالت «هذا لا يعطي الحق لأي رجل أو امرأة أن ينتقدوني» رغم أنها أعطت نفسها الحقّ للتحدث عن جميع «أجساد» نساء العالم، لكنها لا تقبل من أحد أن ينتقد «فكرتها»!
فليست ممارسات البعض مثالاً على فكر المجتمع، ويجب أن نعرف أن الحرية دون فكر عامل هدم، ودون أدب طريق ضياع، ويجب أن نؤمن بالوعي أساساً للحرية وليس نتيجةً من نتائجها!