د. محمد بن إبراهيم الملحم
كيف يمكن أن تتم عملية تغيير تعليمي نوعي ذات أثر فعَّال في المملكة وذلك في ظل ما شرحته مسبقاً عن إشكاليات التغيير التعليمي وصعوبة تنفيذه واحتياجه إلى الكثير من الخبرة والوعي بمداخل التغيير وآلياته مع التخطيط الحاذق لتنفيذ التغيير ووضعه في موضعه؟ كيف يمكن الوصول إلى قرارات تغيير ذات قيمة حقيقية في إحداث ارتقاء ملموس في الناتج التعليمي سواء على المدى القريب أو شبه البعيد؟ كيف تصنع هذه القرارات ومن يصنعها؟ وكيف تتم رعاية هذه القرارات لتؤتي ثمارها خاصة أننا نوقن جميعاً بأن التغيير التعليمي ذو أمد بعيد غالباً؟
هذه الأسئلة المهمة وغيرها لا يمكن الإجابة عليها بأن ذلك مرده إلى المؤسسة التعليمية الرسمية، حيث وضحنا آنفاً أنه صعب المنال لكثير من العوائق التي تقف أمام مثل هذه المؤسسات مع محدودية قدراتها وإمكاناتها خاصة على المستوى التجريدي، ومن هنا فإنني سأقترح هنا مدخلات مهمة للتغيير التعليمي لعلنا نراها يوماً ما تنتج قراراتنا التعليمية.. وسوف أبدأ أولاً بأهم عناصر التغيير التعليمي وهو عملاء التغيير Change Agents كما تسميهم أدبيات التغيير، ذلك أنه عند التفكير في العناصر المؤثِّرة على أي تغيير يمكن أن تتصور حدوثه في أي مؤسسة (تعليمية كانت أو غير ذلك) فأول ما يتبادر إلى ذهنك فوراً هو ضرورة توفر القيادة Leadership سواء في مستوى متخذي القرار أو صنَّاع القرار أو منفذيه، وأنوّه هنا إلى ما سبق أن وضحته عن الفرق بين المصطلحين: متخذ القرار وصانع القرار. فمتخذ القرار عندما يفتقر إلى المهارة القيادية الكافية لرعاية قرارات التغيير فإنه قد يتسرَّع وقد يتأثر بآراء غير موفقة وقد يضعف (أو لا يمتلك الكفاية اللازمة) فيما يتعلَّق بتفسير بإشكالات قرارات مقترحة من جهات أخرى فلا يقدم النصيحة المناسبة في الوقت المناسب. أما «صنَّاع القرار» فضعفهم القيادي إن وجد سيجعلهم تحت وصاية من هم أعلى منهم وأحياناً يختطفهم من هم تحتهم فلا تحس لوجودهم أثراً على الرغم أحياناً من امتلاكهم لخبرة معرفية ومهارة تعليمية مميزة أوصلتهم لمناصبهم العليا التي وضعتهم على مقاعد «صناعة القرار» وإن لم يكونوا هم متخذي القرار ولذلك يتعجب الناس من قرارات تصدر مع وجود شخصيات «علمية» أحياناً أو ذات خبرة مخضرمة ونوعية بين فئة «صنَّاع القرار»! وبالمناسبة فإن من الأمراض الشائعة أن يحرص «متخذ القرار» أحياناً على اختيار «صنَّاع القرار» حوله من هذه الشخصيات «غير» القيادية، حيث يكون دورهم فقط في تقديم المعرفة knowledge لمتخذي القرار، وهي معرفة «انتقائية».
أما الصنف الثالث وهم المنفذون فيؤكِّد كتاب التغيير التعليمي البارزون أمثال مايكل فولان Michael Fullan وآندي هارجريفز Andy Hargreaves على أهميتهم بشكل كبير ويتمثَّل هؤلاء عند النموذج التعليمي الغربي في مديري المدارس School Principals وهؤلاء تعتقد كثير من أدبيات التغيير أنهم أهم «عملاء التغيير» Change Agent ، ويعود سبب ذلك إلى أن هؤلاء يملكون عاملين مهمين جداً الأول هو الخبرة العميقة في الجانبين التعليمي والإداري التنظيمي وهما جناحا التغيير الذي يطير بهما وفي نفس الوقت فهما أيضاً الشريانان اللذان ينبض بهما التعليم نفسه والتغيير غالباً يمس أحدهما. أما العامل الثاني فهو امتلاكهم للموارد فمدير المدرسة في الغرب هو من يتصرّف في موارد المدرسة المالية سواء تلك التي ترد بالهبات أو مساعدة الدولة أو الرسوم أو موارد المدرسة الاستثمارية المتنوعة مثل تأجير الملاعب أو الغرف مساء أو الكافتيريا والمقصف المدرسي وغير ذلك من الموارد، ومع أن المدير محكوم بقوانين للتصرّف في هذه الموارد وكذلك بالمجالس المحلية المدرسية إلا أنه يظل ممتلكاً لمساحة خصبة من الصلاحية تكفل له حركة في التطوير، ومن ضمن ما يتم تقييم المديرين به هو إبداعاتهم التطويرية وحسن استثمارهم للموارد.
السؤال العملي الآن هو: هل مديرو مدارسنا كذلك؟ وهل يمكن اعتبارهم هم من يتكلم عنهم الفكر التعليمي التغييري الغربي بتلك الأهمية؟ سأناقش ذلك لاحقاًبإذن الله.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً