كانت الأسرة قبل الإسلام متشتتة الأركان متقاطعة الأواصر لا يصلها رحم ولا تشفع لها قرابة. قد خيم عليها أبجديات الحقد والحسد والكراهية والبغضاء والتّناحر والتنافر.
وقد اهتم الإسلام بالأسرة واعتنى بها أشد الاعتناء لأنها تعتبر النواة الأولى في المجتمع، فشرع الزواج والطلاق، والتّعدد، وفرض النفقة للزوجة على زوجها، وللابن على أبيه، وللأب على ابنه، وسمي عقد الزواج ميثاقًا غليظًا، ووصفه بأنه علاقة مودَّة ورحمة.
كما تكفل ببيان أحكام الأسرة مع الإشارة إلى أسرار التّشريع مفصلة تارة ومجملة تارة في آيات كريمات عدة وسُور متعدِّدة وأحاديث نبوية كثيرة من إرث ووصية ونكاح وطلاق، وبيّن أسباب الألفة ووسائل حسن المعاشرة وشيّد صرح المحبة بين أفرادها على تأسيس حقوق معلومة في دائرة محددة، وحدد مسؤولية الفرد نحو أسرته.
إذ إن الأسرة تأخذ مكانها في الإسلام، في حدودها واتساعها، ونطاقها في معنى واسع، فهي تشمل الزوجين والآباء والأولاد والأخوة وأولادهم والأعمام والأخوال وأولادهم.
فالإسلام حريص كل الحرص على أن تكون الأسرة أوَّل مدرسة عمليَّة للطفل، فيها يتلقى سلوكه الباكر، وفيها يتلقى دروسه التطبيقية، لأن التربية البيتية تقوم بدور إيجابي وفعَّال وحاسم وأكثر فائدة، إذ هي الضامنة الوحيدة ليقام تربية تعاهدية، من حيث إنها تنطلق من موطن الخلية الأولى للوجود الإنساني. إنها المثال النموذجي الَّذي يحتذى ويتخذ مقياسًا للتربية الصّالحة.
كما أن بناء الإنسان في الإسلام لا يبدأ من بداية فترة الشباب أو المراهقة أو الطفولة، إنه يبدأ قبل ذلك بكثير، يبدأ منذ التفكير في بناء الأسرة، فالإسلام لا يغفل عما للوراثة والبيئة من أهمِّيَّة في حياة الفرد ومستقبل الأمَّة، لأن التّربية أعمق من التّعليم وأشمل، فهي تعني عمليَّة التغيير الموجه يؤخذ به الطفل منذ صغره لتنمية مواهبه وقدراته واستعداداته إلى أقصى حد ممكن ولتزويده بالاتجاهات والمهارات والخبرات حتى يستطيع أن يعيش سعيدًا، وأن يواجه الحياة بنجاح، وأن ينفع نفسه ومجتمعه. ولهذا رفع الإسلام من قيمة الأسرة وأعلى من شأنها وأقامها على أسس سليمة وبناها على دعائم قوية، وجعل لها كيانًا مستقلاً.
فالإسلام دين الديمقراطية الحقَّة، دين يدعو كل مؤمن إلى أن يرفع رأسه عاليًا وأن يعيش عزيز النَّفس، كريم الذّات، عالي الهمَّة بالسّلوك الحميد وليس بالتعالي والتّفاخر بالأقوام والأموال والأولاد.
فإن الضّعيف قوي بالإسلام والفقير غني بالإسلام.
كما يولي عنايته القصوى بالقدوة الصّالحة السّليمة لما لها من أثر بالغ في بناء الشَّخصيَّة الفردية وتكاملها.
فالإسلام قرر مبدأ المسؤوليَّة على الفرد لقاء ما يحيط به من النَّاس، بشكل يتكافأ مع ظروفه، ومهمته الملقاة إليه، وكفاءاته التي يمتاز بها. حتى يمنح الإنسان حرية التعبير والعمل المشروع، مع وضع مبادئ ونظم اقتصادية للعمل والتملك والإنفاق. مما أدى تطبيقها إلى تحقيق التعاون والرّخاء بين أفراد المجتمع وهذا التّضامن هو الذي يجعل المجتمع مكتملاً، والأمَّة راقية، والمدينة الإسلاميَّة عامرة بالعدل وبالمساواة وبالخير.
وخلاصة القول: إن الإسلام دين العقل والقوَّة والصراحة والاعتراف بالشَّخصيَّة الإنسانيَّة وتكوينها تكوينًا سليمًا وصحيحًا.
والله الموفق والمعين.