مسفر آل فطيح
في المقال السابق توقفنا عند انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، صدام حسين ظهر من الحرب بما يفوق مليون جندي عراقي، الخطر الذي كان يواجه صدام آنذاك هو تعداد الجيش العراقي والخوف من الانقلاب العسكري عليه، التعقيدات الاجتماعية التي حدثت خلال الحرب وفقدان الكثير من الأسرى والثكنات العسكرية التي عادت من الحرب كانت تشكل خطرًا وعبئًا على المواطنين وعلى هرم القيادة..
للتاريخ: صدام حسين أفشل المخطط الإيراني لتصدير الثورة وخاض حربًا قد تعتبر من أطول الحروب، ولكن الرئيس الراحل أفسد خوضه للحرب مع إيران ثماني سنوات باحتلاله الكويت، وذلك الاحتلال والاعتداء يعتبر من الأخطاء الكارثية التي لا تُغتَفر مهما كانت الأسباب، دخلت المنطقة في صراع وحروب وذاق ويلاتها الشعب العراقي الذي يبحث عن الاستقرار والرخاء المنشود..
عندما قرر صدام حسين غزو الكويت لم يبلغ أغلب القادة العسكريين وفي اليوم الثاني من الاجتياح تم إبلاغهم، خاضت السعودية أخطر الحروب الدبلوماسية وخصوصًا مع الاتحاد السوفيتي الذي كان حليفًا لصدام ومع العرب وأمريكا على حد سواء ونجحت -ولله الحمد- في ذلك، وعندما تم الإعداد لعاصفة الصحراء، رأس صدام اجتماعًا لإعطاء حلول حول الوضع الراهن في تلك الفترة، وكل الذين نصحوا صدام بالانسحاب من الكويت تم الزج بهم في السجن والإبعاد والإعدام بحقهم، ومنهم فاضل البراك وعدد آخر من المؤيدين للانسحاب وتجنب الحرب الخاسرة. بعد عاصفة الصحراء بأربعين يوماً تقريباً تم الانسحاب من قبل الجيش العراقي واستهدفت الطائرات الأمريكية الرتل الذي انسحب وسمي بطريق الموت، وبدأت الإعدامات بحق بعض قادة الألوية لسبب أو آخر..
تم حصار العراق اقتصاديًا، وغادر العديد من العلماء العراق وهذه أكبر كارثة حصلت للعراق، في منتصف التسعينات ظهر تأثير الحصار على الشعب العراقي وبدأت الأوضاع تسوء بشكل واضح، حسين كامل المجيد أحد أقرباء صدام وزوج ابنته رغد كان يسمى بالرئيس الصغير لأن صدام أطلق له جميع الصلاحيات وكان شبه أمي لا يحمل شهادة تؤهله ولكنه كان فطناً وذكياً وبارعاً في تحمل المسؤوليات وراوده حلم الرئاسة، وانشق عن صدام وكان يظن بأنه الرئيس القادم ولكنه فشل في حشد المعارضين وكان في الأردن وعاد بعد ذلك بأشهر بعفو من صدام، وبعد ذلك تم إعدامه مع أخيه على يد علي حسن المجيد (عمه). كان أحد أسباب سوء إدارة البعث للملف الأمني هو تسليم المهام لأشخاص لا يحملون شهادات تؤهلهم أمثال حسين كامل، وأشقاء صدام من أمه برزان وسبعاوي ووطبان وغيرهم..
تم اجتياح العراق عام 2003 وسقط نظام حزب البعث، وتمت محاكمة صدام ورموز نظامه وأُعدم صدام في يوم عيد الأضحى وأثار الإعدام حفيظة العرب والمسلمين، ظن العراقيون أن الوعود التي كان يقولها المعارضون الذين كانوا على الدبابة الأمريكية ستتحول إلى واقع، ولكنه تم تسليم العراق إلى إيران وعبثت بمقدراته وثرواته وأنهاره وأُعدم وسُجن ما تبقى من العلماء العراقيين. تم العزف على الوتر الطائفي الذي كان محظوراً طيلة حكم صدام حسين، تعتقد إيران أنها نجحت في تأجيج الصراع وهو يعتبر فشل لإيران ووكلائها في العراق. كان المرشد الأعلى الإيراني يتمتع برمزية لدى الإيرانيين وبعض العراقيين، ولكن بعد القتل والتدمير والحالة المعيشية السيئة التي ذاق ويلاتها الشعب الإيراني والعراقي سقطت هذه الرمزية وتم إحراق صور خامنئي وتم تدمير القنصليات الإيرانية بالعراق، وهذه ردة فعل شعب ثائر ذاق ويلات الحروب المستمرة التي لم تتوقف بعد، أصبح اسم صدام يأتي على ألسنة العراقيين المظلومين في كربلاء والبصرة وبغداد وغيرها من المدن العراقية، وهذا يؤكد بأن العراقيين يتمنون عودة حزب البعث بخيره وشره نتيجة انعدام الأمن والأمان وكسر هيبة الدولة وانتشار المخدرات والجرائم والميليشيات والإرهاب..
سيطر حزب الدعوة الموالي لإيران وفشل فشلاً ذريعًا في إدارة الدولة وانتشر الفساد بكل أشكاله وألوانه، جرت الانتخابات الأخيرة وفاز مقتدى الصدر وحلفاوه وهو يعتبر معارضًا لحزب الدعوة التي تدعمه إيران، فوز الصدر وحلفائه كان بمنزلة إطلاق رصاصة الرحمة على أهداف إيران في العراق، وبعد الفوز الكاسح للصدر رفض الموالين لإيران بتشكيل الحكومة وهددوا بميلشيات الحشد الشعبي ودعا الصدر للمظاهرات ضد التدخل الإيراني وحلفائه واجتاحت المظاهرات المنطقة الخضراء وتم احتلال مقر مجلس النواب والحكومة، بعد ذلك انتشرت تسجيلات للمالكي الذي يتوعد بمهاجمة الصدر وقتله وأصبح خائفًا من رجوع حزب البعث واستلامه للسلطة من جديد، المواطن العراقي البسيط لديه قناعة راسخة بأن حلفاء إيران قاب قوسين أو أدنى من السقوط والظهور من العملية السياسية في أقرب فرصة سانحة وكانت دعوة الصدر بمنزلة بداية النهاية لإيران ووكلائها في العراق..
التنوع والتعدد العشائري في العراق بكل طوائفه يرفض تدخل إيران السافر في الشأن العراقي وكان اجتماع المكون السني والشيعي وتلبية دعوتهم في السعودية خير دليل على ذلك عندما تحدث الدكتور أحمد العيسى عن التعايش السلمي للعراقيين وبناء بلدهم، وهذا يأتي من حرص العراقيين على التكاتف العربي ضد الأطماع الفارسية والعثمانية في كل مكان وزمان..
إيران وتركيا دمرتا نهري دجلة والفرات وانحسر منسوب المياه ولا زالت الاعتداءات التركية تتكرر، يقول أعداء صدام أنفسهم إن العراق في عهده لم تتجرأ إيران أو تركيا بالاعتداء أو حتى التفكير في التوغل أو التدخل، عندما تفقد هيبة الدولة سينتشر الفساد والخراب والدمار والمواطن هو من يدفع الثمن..
ما يقارب ستة عقود من الزمان والمواطن العراقي في حروب مستمرة وأنظمة مختلفة بين سندان الدكتاتورية ومطرقة الفساد وهي كفيلة بانتفاضة شعبية عارمة من كل العراقيين ضد الظلم والاستبداد والفساد، وربما قد تكون الأمل في تحقيق السلام المنشود الذي طال انتظاره..