صبار عابر العنزي
الرحمة رقة في القلب والإحساس, ونبل في الأخلاق, وضعف بالعاطفة تقتضي الإحسان إلى الآخر لسبب من الأسباب من باب العطف أو الرغبة في الإحسان أو ميل لحالة، وهي في الواقع أقوى أنواع القوة حيث تتجلى من خلالها شيم الأخلاق وقيم التربية...
كما إنَّ رحمة الله ليست كرحمة المخلوقين، فالله -سبحانه وتعالى خلَق الرحمة وأودع في الخلق جزءاً من رحمته، وأمسك عنده تسعةً وتسعين جزءاً كما ذُكر في الحديث النبوي الشريف، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إنَّ لِلهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ منها رَحْمَةً وَاحِدَةً بيْنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ علَى وَلَدِهَا، وَأَخرَ اللَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَومَ القِيَامَةِ)...
وهي صفة من صفات الخالق عز وجل، واشتق الله من الرحمة اسم الرحمن، قال القرطبي: ( وذهب جمهور من الناس إلى أن الرحمن مشتق من الرحمة)، وورد ذكر الرحمة ومشتقاتها في القرآن الكريم في نحو ثمانية وستين ومائتي (268) موضع، وهذا يدل على أهميتها وعناية الإسلام بها كخلق من الأخلاق التي يدعو لها ويحث عليها...
كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه», إنها خلق رفيع يوسم به أهل القلوب اللطيفة التي ترق لآلام الغير، وتشيح عن تجاوزاتهم، وتحسن إليهم، وهي الرأفة ولين الجانب ورقة النفس...
قال صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» فالتراحم بين الخلق يعني التآزر والتعاطف والتراحم والتواصل والتعاون، وبذل الخير والمعروف والإحسان لمن هو في حاجة إليه، ويكفي الرحمة شرفًا وقدرًا أنها صفة من صفات الله عز وجل، يتضمنها اسمه سبحانه الرحمان، واسمه الرحيم سبحانه تعالى شأنه رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما...
فاحرص في حياتك على صداقة رقيق القلب الطيب عزيز النفس, فهو لا يعرف القسوة ولا الهمز واللمز, ويزرع في ممرات حياته السعادة والسرور والتسامح والمحبة, لأنه يعلم أن دينه دين الرحمة والتسامح وأنها من مكارم الأخلاق...
إن الرحمة تفتح أبواب الرجاء والأمل كما ذكر الكاتب ماجد بن أحمد الصغير بأنها تثير مكنون الفطرة، وتبعث على صالح العمل، وتغلق أبواب الخوف واليأس، والخالق لم يجعل في الدنيا إلا جزءًا يسيرًا من واسع رحمته يتراحم به الناس ويتعاطفون، ومن آثارها بالمخطئين والمذنبين بالأخذ بأيديهم إلى طريق الله بالموعظة الحسنة باللطف لا بالعنف, والتعامل معهم على أنهم غرقى محتاجون من ينتشلهم فلا يتركهم يتعرضون لعذاب الله، ومن ثَّمّ النظر إليهم بعين الرحمة لا الشدة والنقمة، ومعاملتهم معاملة الرُحماء لا معاملة أهل الكبر والازدراء والخيلاء...
أخيرًا قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، إنها رحمة شاملة وعامة وعالمية، وليست عنصرية تقوم على الأعراق أو الألوان أو المذاهب، بل رحمة لكل البشر ولجميع الخَلْقِ المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك وقد أقسم الرسول صلى الله عليه وسلم قائلًا: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَضَعُ اللهُ رَحْمَتَهُ إِلاَّ عَلَى رَحِيمٍ» فالمسلم يرحم الناس كافَّة، أطفالًا ونساءً وشيوخًا، مسلمين وغير مسلمين...