خالد بن حمد المالك
يمكن القول عنه إن أعماله كانت توازي أعمال وزارة للثقافة، بحسب منجزاته، وشمولية نشاطاته، وتنوع إسهاماته، في غير مجال، وفي أكثر من ميدان، بما لا يمكن أن تمرَّ وفاة عبدالمقصود محمد سعيد خوجة دون أن تلقي مساحة كبيرة من الحزن على غياب مَنْ هذه قيمته، مَنْ كان هذا دوره في خدمة الثقافة والإعلام، وهذه ريادته في المشهد الأدبي بكل أطيافه.
* *
ولا يمكن أن نتحدث عن عبدالمقصود بمعزل عن مسيرة والده محمد سعيد عبدالمقصود خوجة (الغربال) الذي كان من أوائل المفكرين والمثقفين في بلادنا، فقد رأس تحرير صحيفة أم القرى، وألَّف كتابه الشهير (من وحي الصحراء) بالمشاركة مع عبدالله بلخير، وجمع (تاريخ مكة للأزرقي) من تحقيق رشدي بلحسن، كما كان أول من فكَّر في طباعة المصحف الشريف في مكة المكرمة، وله مجموعة مقالات ومحاضرات، وهذا بعض نشاطه كما تحدث عنها كثيرون.
* *
وامتدادًا لما فعله الوالد، فقد اختار الابن الطريق ذاته، واستلهم الفكر نفسه، وانصرف إلى خدمة الثقافة والمثقفين، يغدق من ماله، ويستثمر وقته، ويوظف علاقاته، ويجمع كل ما يُرسِّخ دعم الفكر، بجهد شخصي، وعمل دؤوب، وعزيمة لا تفتر، بما شهد به له المنصفون، وشهداء الحق في الداخل والخارج.
* *
ولو لم يكن لعبدالمقصود من إنجاز في خدمة الثقافة إلا اثنينيته الأسبوعية التي كرَّم فيها رموز الثقافة في الداخل والخارج رجالاً ونساءً لكفى، لكن الراحل الكبير، قام بما هو موازٍ لذلك، على منهجه الشخصي نفسه، واقتداء بمنهج والده، وكأننا أمام بيت عِلم وفكر وثقافة وإعلام، ونحن فعلاً أمام مؤسسة ثقافية أشبه ما تكون بريادتها وأعمالها بوزارة للثقافة.
* *
وفي التفاصيل عن النشاط المبهر لهذا الفقيد الغالي، فقد كانت اثنينيته الأسبوعية التي تقام في دارته هي الأبرز نسبة إلى الشخصيات التي تم تكريمها على مدى قرابة أربعين عامًا، وقد تمَّ توثيق من تمَّ تكريمهم وعددهم 460 مثقفًا، وطباعة ما يربو على 185 مجلدًا عنهم، إلى جانب قيام منتدى الاثنينية بجمع وتوثيق وطباعة الأعمال الأدبية الكاملة لكبار الأدباء، وخاصة القدماء منهم، وتقديمها هدية مجانية للقراء.
* *
لقد أقعده المرض في السنوات الأخيرة، فلم يعد الجمع الثقافي يلتئم في دارته مساء كل يوم اثنين، ولم تعد هناك فرصة لتكريم المزيد من المثقفين، وكأننا أمام مشهد ثقافي غاب بغياب محركه وداعمه ومتبنِّيه، لنُفاجأ بأن صانع هذا الإنجاز قد انتقل إلى رحمة الله، وبانتقاله أوصدت الأبواب التي كانت مشرعة مساء كل يوم اثنين للمثقفين ومتذوقي الثقافة، إلا أن يشاء الله، ويستأنف ورثة المرحوم النشاط الذي بدأ بجدهم محمد ثم بوالدهم عبدالمقصود.
* *
في السنوات الأخيرة تقدم العمر بكل رواد الثقافة والأدب، من شعراء ومؤرخين، وكتَّاب رواية وقصة، ونقَّاد، دوان أن يملأ غيرهم الفراغ، فالاهتمام بصِنعة الثقافة، والتفرغ لها، وتعزيز مكانها، لم يعد كما كان من قبل، فقد انشغلت الأجيال الجديدة بما صرفها عن الاهتمام بذلك، وركزت اهتمامها في مجالات أخرى، بما أثار ويثير الخوف من أن غياب الاهتمام بالشأن الفكري والثقافي والإعلامي سيتواصل بغياب رموزه ورواده.
* *
رحم الله الأستاذ عبدالمقصود خوجة، وأحسن الله العزاء في وفاته لأسرته ومحبيه، فقد ترك إرثاً وسيرة حسنة، وعملاً لا يُبارى فيه، وخدم الكتاب والكتَّاب بما هو موثق ومسجل، فله منا الدعاء بالمغفرة والأجر العظيم بمسكن في جنات النعيم.