إيمان حمود الشمري
رأيت طوابير تصطف كل ثلاثة أيام لإجراء الفحص، مستجيبة للاحترازات التي تفرضها الحكومة دون تذمر أو اعتراض.
رأيت العجلة (البايسكل) وسيلة مواصلات معتمدة لها مسارات خاصة في الشوارع يستخدمها الموظفون دون خجل بغض النظر عن المنصب، ونساء يقدن الدراجات النارية بشجاعة وخلفهن أطفالهن.
رأيت موظفي متاجر ومكاتب يعملون لساعات على تيار شحيح من الهواء من المروحة، وحراس أمن يقفون بعز الرطوبة دون رذاذ ماء يلطف الجو الخانق.
رأيت شعباً يكافح ويرفض أن يستسلم.
رأيت حتى الأطفال يلتزمون بوضع الكمامة دون أن يحاولوا نزعها وكأن الانضباط سلوك تربوي نقش على المواطن الصيني منذ الصغر.
رأيت رؤساء مجلس إدارة لشركات أجنبية لا يتحدثون الإنجليزية!
رأيت شعباً يعيش على التطبيقات بالشراء والتسوّق والعلاج وطلب التكاسي، ويستخدم محرك بحث صيني يدعى (بايدو) يعتبر الأول في الصين والثالث عالميًا.
رأيت كل شيء يحمل شعار صناعة وطنية.
رأيت هذا الشعب المنعزل عن العالم الذي انشغل ببناء نفسه وبلده حتى أصبح مغناطيساً جاذباً، ومحط أنظار مثيراً للإعجاب والفضول وكأن الجميع يريد أن يرى كيف استطاع هذا البلد أن يكتفي بنفسه ويتكئ على منتجاته واختراعاته.
رأيت العمل هو الرقم الأول والترفيه بحدود مقتضبة وكأن الشعب الصيني يرفض أن يلهو كثيراً كي لا ينشغل عن أولوياته.
رأيت بساطة في اللبس وأناقة دون إفراط وموائد تؤدي الغرض دون بذخ، تعلمك كيف تكون عملياً اقتصادياً واعياً للمصاريف والتكاليف.
رأيت شعباً لا يتحدث كثيراً وإنما يعمل كثيرًا فأصبح بالتالي منتجاً أكثر من مستهلك.
ولم أر منذ وصولي أي اصطدام لشعب رفع شعار السلام وقرَّر أن ينشغل بالعمل بدلاً من هدر طاقته في المشاحنات، إلا أن تتعدى على حدوده وأمنه وحقوقه واستقلاليته، فسوف يلوح لك سور الصين العظيم الذي بني منذ آلاف السنين وبقي معلماً ومزاراً للسياح ولكن في الوقت ذاته يعتبر وكأنه رسالة تذكير وإنذار مسبق بأن لدى هذا البلد حصناً منيعاً وإن تغيّرت أدوات دفاعه ولكن من الصعب اختراقه.