د.حماد الثقفي
راود الجميع جملة الثراء العربي وأثره في الاقتصاد العالمي، فالثراء ليس أموالاً فقط، ولكنه أيضاً تراكم حضاري جرى تكوينه عبر السنين من أجيال متعاقبة بين الأقطار العربية، ومن الضروري أن ينتبه العالم العربي إلى مُحيطه في ظل التطورات الاقتصادية الدولية، والتكتلات الاقتصادية الدولية، حيث تسارع وتيرة إنشاء تكتلات إقليمية في مختلف أنحاء العالم، لاسيما من الربع الأخير من ق 20، لكونه الوسيلة الوحيدة التي تساعد الدول على إثبات وجودها في عالم حافل بالمستجدات والمخاطر كالجائحة الكوفيدية، والغزو الروسي على أوكرانيا، والتسبب في المشكلة الغذائية العالمية والتضخم المالي وزيادة أسعار البترول والتحالفات الصينية الروسية ..إلخ. وكلها أكبر بكثير من أن تتحملها دولة واحدة بمفردها، إذ إن هناك ربطاً جدلياً بين السياسة والاقتصاد، مما فرض على الدول العربية أن تحذو في ذلك حذو دول العالم عمومًا في اتجاه التكامل الاقتصادي لتعزيز فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وإحياء فرص التكامل التنموي إلى جانب التعاون الاجتماعي والثقافي والدخول في التنافس الدولي على المصالح وغيرها، من العوامل التي توفر الأمن والاستقرار، لمواجهة المشكلات الاقتصادية المعاصرة والتكتلات الاقتصادية الدولية، ليبدأ التكامل الاقتصادي العربي بنهاية الحرب العالمية الثانية، وقيام جامعة الدول العربية عام 1944 بعضوية الدول السبع المستقلة آنذاك وهي: مصر، العراق، الأردن، سوريا، لبنان، السعودية، واليمن، تبعهم انضمام بقية الدول العربية، وتوالت الاتفاقيات والمعاهدات والقرارات لإبراز ذلك عبر جامعة الدول العربية، التي تضم أغنى مناطق العالم في احتياطي البترول الخام، 55.7 %، وتشكل حصته 26.5 % من إجمالي الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي عام 2020. ليثبُت الأثر الكبير للقوة الناعمة العربية كوسيلة ناجحة في السياسة الدولية خلال أزمات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، واتجاه دول الغرب بقيادة أميركا للوطن العربي بل والحضور الرسمي لقمة جدة وغيرها من اللقاءات والزيارات المتبادلة في ظل الصراع الدولي بين أميركا وأوروبا واليابان وحلفائها من جهة، والصين وروسيا وحلفائهما من جهة أخرى.
إن التجارة والاستثمار قوتان لتدعيم العلاقات السياسية بين دول الوطن العربي التي تتوافر فيها جميع مقومات التكامل الاقتصادي، ليكون مميزاً عن سواه من تجارب الدول الأخرى لخصوصيتها الحضارية والثقافية، وتمتع الوطن العربي بثروات طبيعية، ومالية، وبشرية ضخمة، ومهمة كماً وكيفاً، جعلتها منطقة تتميز بمركزها الإستراتيجي المتوسط بين الشرق والغرب، لذا فإن الوطن العربي قوة اقتصادية كبيرة تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي، وفي مقدمة هذه الخيرات النفط والغاز والمعادن الثمينة وغيرها.
ولا ننسى كلمة السعودية في «قمة جدة للأمن والتنمية» بقمة جدة 2022، كونها أكبر اقتصاد عربي وعضو فاعل في مجموعة العشرين وأكبر منتج ومصدر للنفط ودولة مهمة في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي ورؤيتها في التعامل مع التحديات الكبرى التي تعرض لها العالم بسبب الجائحة والأوضاع الجيوسياسية والتحديات البيئية، بواقعية ومسؤولية عبر تبني نهج متوازن وفق ظروف كل دولة، ولذلك، فإن الانتقاد الذي يتم توجيهه أحياناً إلى دول العرب لاسيما الخليج العربي ذات الثروة هو انتقاد أعمى يرى ضعف الاقتصاد العالمي أمام القوة العربية التكاملية.