كان لي صديق لم يكتب له من العمر إلا كما كتب على طرفة بن العبد البكري وأبو القاسم الشابي، حيث رحل هذا الصديق في عمر الزهور -رحمه الله رحمة واسعة، وبما أن هذا الرجل لم ينل الحظ الكافي من العلم فقد كان يسأل أسئلة يندى لها الجبين ويقطر منها الجهل (يا لطييييف)، أُخرج من بطن أمه لا يفقه شيئًا؟! وظل لا يفقه شيئًا حتى أجتث من الأرض.
فالجاهل أعمى ولو كان بصره حديدًا، فهو بالكاد يعرف الحروف الأبجدية بل يوشك ألا يعرف إلا حروف اسمه، حينها أيقنت يقينًا بينًا كم من الضروري أن يتلقى المرء تعليمه من الصغر، وخطرت على بالي مقولة لطه حسين عميد الأدب العربي 1889-1973 «التعليم كالماء والهواء» رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي 1869- 1932 عندما قال: قم للمعلم ووفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا. وأنا شخصيًا ما أن أمسك كتابًا أو أرى إنسانًا خانسًا على كتاب حتى يمر بخاطري الأستاذ أحمد الذي قام بتدريسنا مادة القراءة والكتابة والإنشاء، حيث ما زال المعجون الذي نشكل منه الحروف الأبجدية ماثلاً أمامي لا يفارقني، فرحم الله الأستاذ أحمد إن أصابته خبطة العشواء رحمه الله، وأمد الله في عمره إن لم تصبه خبطة العشواء، حتى المدرسة التي درست فيها أولى ابتدائي كلما مررت بجانبها فإني أود أن أقبل جدرانها (مدرسة تحفيظ القرآن بالثقبة) فلله درك أستاذ أحمد.
علي ابن مصطفى الطنطاوي رحمة الله عليه 1909-1999 يقول: سلخت 70 سنة أقرأ يوميًا لمدة 10ساعات فلم أكن أعرف اللعب في الزقاق مع الأطفال ولا في المدرسة، أقضي جل وقتي في القراءة والمطالعة - انتهى كلام الطنطاوي - ونتيجة مطالعته علم غزير استفاد منه وها هو ذا -رحمه الله- يفيدنا بعلمه وسيستفيد منه من سيأتي من بعدنا (الأجيال القادمة).
يقول أحد أدباء الغرب ويدعى ستيل: القراءة رياضة للعقل، ويقول آخر الأمة من غير قراءة قطيع هائم، أما نجيب محفوظ 1911-2006 فله عبارة تكاد تقطع القلب: أكبر هزيمة في حياتي عندما كبرت سني وضعف بصري ولم أعد قادرًا على القراءة.
حسبنا أن أول ما نزل من القرآن الكريم «اقرأ».. يحضرني الآن مثل صيني يقول: الكتاب نافذة تتطلع منها للعالم .
عباس محمود العقاد 1889-1964 حاصل على الشهادة الابتدائية فقط لا غير ومع ذلك انكب على القراءة، فقد عُرف عنه أنه قارئ نهم، وأنا من أشد المعجبين بهذا المفكر الكبير رغم عدم رضائي عن بعض كلامه حتى تكون لديه هذا النتاج الفكري الهائل وله عشرات الكتب ومئات المقالات وكاتب هاتك الرقعة كلما شعر بالفراغ فإنه يفزع للقراءة من فوره، ومن المعروف أن الفراغ أرض خصبة لأمور لا يُحمد عقباها أنصح إخواني وأخواتي بالقراءة والمطالعة خصوصًا عندما تسنح لهم الفرصة.