د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الشرق الأوسط والعالم العربي بأسره كان ميداناً واسعاً، ومركزاً أساسياً للصراعات العالمية، وبؤرة لتفجر النزاعات على المستوى العالمي، وذلك لأسباب عديدة، منها: التاريخ، والتعليم، والثقافة، والتدخلات الأجنبية.
والشرق الأوسط والعالم العربي بأسره، عاش فترة طويلة من حضارته، ومسيرته، تحت الاستعمار، والحكم الأجنبي، ولم يتوفر لكثير من أبنائه في تلك الحقبة كمية كافية من التعليم، تجعله يلحق بركب الدول المتقدمة التي كانت تنهل من المعارف التي أدت إلى تقدم شعوب تلك الدول، والوصول إلى المخترعات والصناعات التي تتفوق بها تلك الشعوب على سائر الشعوب الأخرى، والحقيقة أن البنية التعليمية يمكن وصفها بالمتدنية في كثير من دول العالم العربي مع ما خالطها من إرث ثقافي صنعته طبيعة المناخ والتضاريس، وعوامل أخرى عبر آلاف السنين، والثقافة لدى أبناء الشرق الأوسط في معظمها لا سيما ثقافة الإنتاج والاتقان تحتاج إلى تغيير شامل، والتحرر من الموروثات التي تلعب فيها العلاقات الشخصية دوراً هاماً في المسائل المتعلقة بالإدارة، والإنتاج، لكن علينا أن نعلم أن أي تغيير في الثقافة يحتاج إلى كثير من الوقت، واختيار الأدوات المناسبة حتى يمكن التخلص من الموروث غير المفيد، والإبقاء على ما هو مفيد ومتناسب مع القيم والأخلاق التي بني عليها المجتمع.
التدخلات الأجنبية من قبل بعض الدول المستعمرة، كانت عاملاً هاماً في تأخر بعض من دول الشرق الأوسط والعالم العربي، وقد لعبت تلك الظروف دوراً غير جيد، مستخدمة وسائل شتى عبر التاريخ، منها التدخل المباشر من خلال القوة، أو استخدام وسائل أخرى مثل الأيدولوجيا، والتفرقة، وزرع الفتن بين المناطق داخل الدولة الواحدة، وكذلك استغلال التفاوت في نمط الحياة بين الشعوب، وأيضاً استغلال الاختلافات العرقية، والدينية، والمذهبية، وصنع الصراعات الداخلية، لتحقيق أهدافها دون الحاجة إلى استخدام القوة، فالفتن الداخلية من أعظم الأسلحة التي تستخدمها الدول المستعمرة والمؤثرة للهيمنة على الدول والشعوب الأخرى، والتي لا تحظى بنصيب كافٍ من التعليم والثقافة.
بعد صراع مرير مع المستعمر وما زال، فقد تم خلق نمط جديد يتمثل في الأيدولوجيا، وعلى رأسها صناعة القاعدة، وداعش، ومثيلاتهما، والتي عاثت في المنطقة فساداً، بأيدٍ خارجية وداخلية، وقد ألحقت بأبناء المنطقة وبالاً، وصرفت كثيراً من جهود الدول إلى محاربة هذا الوافد الإجرامي الجديد، كما أن هذه البذرة السيئة أصبحت مبرراً لتدخلات أجنبية في الشؤون الداخلية للدول، وصل إلى الوجود العسكري دون إذنها في بعض منها، باسم محاربة الإرهاب، وربما يستمر ذلك مدة غير يسيرة من الزمن.
الحقيقة أن أيدولوجيا التطرف قد انحسرت ولله الحمد في دول مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج كافة، لكنها ما زالت باقية بدرجات متفاوتة في بعض الدول الأخرى من عالمنا العربي والشرق أوسطي، ولا ننسى أيضاً القرن الإفريقي وما زالت الدول الخيرة والمحبة للسلام، تحارب هذا التيار المتطرف بكل الوسائل المتاحة لديها.
تحوّلت مراكز الصراع من الشرق الأوسط إلى مناطق هي الأقوى والأكثر نفوذاً في العالم، وأيضاً الأخطر على العالم، وهذه النزاعات خليط من القوة العسكرية، والاقتصادية، والأرض، والمجتمع، والثقافة، والنفوذ، ولهذا فهي أكثر تأثيراً على المدى القصير، والمدى الطويل على شعوب العالم وحكوماته، وقد لمست شعوب العالم تأثير ذلك عليها، بشح توفر الأغذية بصورة مؤقتة، والطاقة المتاحة للاستخدام في العالم، والتضخم، وارتفاع الأسعار مما أعجز بعض الحكومات عن توفير ما يجب توفيره لشعوبها.
صراع محتدم على الأرض بين روسيا وأوكرانيا، ومن خلفها الغرب بأجمعه من خلال توفير السلاح، كما تمت المقاطعة مما أدى إلى تقليل إمدادات الطاقة والغاز والنفط والفحم، وحرب أخرى تخص العملة المستخدمة في التبادل التجاري للسلع والخدمات، وأخرى على شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي يقوده الإعلام في تلك الدول المتصارعة، وهذا بلا شك إن طالت مدته فإن له تأثيراً سلبياً على مستقبل العالم بأجمعه.
نزاع آخر محتدم في الشرق الأقصى بين البلد الأم الصين، وجزيرة تايوان، وأيضاً كان الغرب حاضراً في ذلك الميدان، مناصراً لتايوان، ولم يصل ذلك لنزاع إلى الحد الذي وصلت إليه الحرب في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، وأتمنى أن لا تصل إلى ذلك، والحقيقة أن العالم سيكون على حافة الهاوية، لو حدث أمر غير محسوب، وأصبح هناك تصادم كبير بين الدول النووية، والتي تملك من الأسلحة المدمرة ما يكفي لفناء العالم في نصف ساعة وحسب، ونرجو أن يكون العالم أكثر حكمة ورشداً وتعقلاً، فقد خلق الله سبحانه وتعالى هذه الأرض وخلق عليها الإنسان لعبادته، وعمارتها، والاستفادة من خيراتها، والمحافظة على ثرواتها الطبيعية، وأجوائها، والاستفادة مما فيها من نواميس كونية، وحقائق فيزيائية لتطبيقها على العلوم النافعة لخدمة الإنسان وحسب، وليس لقتله وتدميره، وإفنائه بعمل يده، وعدم رجاحة عقله.