د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
هذا كتاب (الدرة المضية في شرح الألفية) للشيخ العالم العلامة إبراهيم بن موسى الأبناسيّ (803 هـ) يقدم نفسه بعنوانه، فحسبه أن يكون شرحًا لأشهر منظومة نحوية زوت ما تخيره النحوي العبقري ابن مالك من نحو المذهبين البصريّ والكوفيّ، وتلقاها الناس بالقبول، وما زالت تدرس في معاهد العربية وكلياتها إلى يومنا هذا، ويكاد ينصرف مصطلح النحو إذا أُطلق إلى هذا النحو المالكي الذي ثقفه الناس من الألفية وما دار حولها من كتب الشرح والحواشي.
وأما الأبناسي فجاء عنه في طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (4/ 5-7) «إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن أَيُّوب الأبناسي برهَان الدِّين أَبو مُحَمَّد، الْعَالم الْفَقِيه العابد، ولد بأبْناس بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْمُوَحدَة بعْدهَا نون وَفي آخرهَا سين مُهْملَة، وَهِي قَرْيَة صَغِيرَة بِالْوَجْهِ البحري [المصري] سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة تَقْرِيبًا... وَقدم الْقَاهِرَة وَله بضع وَعِشْرُونَ سنة وسمع بها وبدمشق من جمَاعَة وخرج له الْحَافِظ ولي الدِّين ابْن الْعِرَاقِيّ مشيخة، وَتخرج في الْفِقْه على الشَّيْخَيْنِ جمال الدِّين الْإِسْنَوِيّ وَولي الدِّين المنفلوطي وَغَيرهمَا، وَتخرج في الحَدِيث بمغلطاي قَالَ المؤرخ نَاصِر الدِّين ابْن الْفُرَات كَان شيخ الديار المصرية مربيًا للطلبة، وَله مصنفات في الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول والعربية، وَحج وجاور مَرَّات، قَالَ الْحَافِظ شهَاب الدِّين ابْن حجر أمتع الله بِبَقَائِهِ فِيمَا كتب إِلَيّ أَنه مهر في الْفِقْه وَالْأُصُول والعربية وشغل فِيهَا، وَبنى زَاوِيَة بالمقس ظَاهر الْقَاهِرَة، وَأقَام بهَا يحسن إِلَى الطّلبَة ويجمعهم على التفقه ويرتب لَهُم مَا يَأْكُلُون وَيسْعَى لَهُم في الرزق خُصُوصًا الواردين من الضواحي، فَصَارَ أَكثر الطّلبَة بِالْقَاهِرَةِ من تلامذته، وَتخرج بِهِ مِنْهُم خلق كثير، وَكَانَ حسن التَّعْلِيم لين الْجَانِب متواضعًا بشوشًا متعبدًا متقشفًا مطرح التَّكَلُّف، وَقد درس بمدرسة السُّلْطَان حسن، وبالآثار النَّبَوِيّة، وبالجامع الْأَزْهَر، وَقد عين للْقَضَاء مرّة فتوارى، وَذكر أَنه فتح الْمُصحف فَخرج {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [33-يوسف] وَلم يزل مستمرًّا على طَرِيقَته وإفادته ونفعة إلى أَن حجّ في سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة فَمَاتَ رَاجعًا في المحرم بعيون القصب بِالقرب من عقبَة أَيْلَة وَدفن هُنَاك».
وكان من نعم الله عليَّ أن أراد أستاذنا الجليل الدكتور عبدالله بن عليّ الشلال بكرمه السابغ أن أقدم هذا الكتاب، إكرامًا لي، لا تلبية لحاجة يقتضيها العمل، فالله أسأله أن يجزيه عني خير الجزاء.
يأتي هذا الكتاب بعد سنوات من المعاناة والجهد والنصب ومكابدة قراءة مخطوطات الكتاب ومقابلة بعضها ببعض في حلة قشيبة وإخراج حسن.
تميز عمل أستاذنا في ضبطه نص الألفية ضبطًا كاملًا، وضبط ما هدي إلى ضبطه من كلم الشرح، وهو أمر مهم قد يغفل بعض المحققين عنه فيشكل على غير المتخصصين الضبط الصحيح.
وهو بذكر الفرق بين النسخ في حواشي الكتاب يكون قد وفى بحق التحقيق الوفاء الذي يقتضيه منهج التحقيق، ولكنه لشدة حرصه على منفعة القارئ وطالب العلم ألزم نفسه بما لا يلزم من الأعمال الشاقة، من ذلك توثيق جميع القراءات الواردة وبيان جهة الاستشهاد بها، وتوثق الأمثال ولغات العرب موضحًا ما يحتاج إلى توضيح، وتحقق الأقوال والآراء التي ذكرها الشارح بالرجوع إلى مصادرها ما أمكن.
أما الشواهد فحرص على توثيقها من دواوينها ثم مواطن ورودها في كتب النحو واللغة، وكان يكفي في نظري أن يوثق من الديوان وأول كتاب نحوي أو لغوي ورد فيه الشاهد ما لم يكن له إنشاد مختلف يقتضي ذكر مصدره، ولم يكتف بتوثيق الشاهد بل عرف قائله وذكر من نسب إليه عند اختلاف النسبة، ثم إنه يعين الشاهد وجهة الاستشهاد.
اهتم أستاذنا المحقق بذكر ما في الشرح من الغريب وبخاصة في أبواب الصرف.
وعرف الأعلام الواردة في الشرح على كثرتها، إذ بلغت مئتين وأربعين علمًا مع أن منهم المشهورين الذين لا حاجة إلى تعريفهم مثل سيبويه وابن جني ونحوهما.
وختم عمله الجليل بكشافات فنية مهمة.