فمثلاً: أحد الإخوة عليه ما يقارب 100 ألف ديون تجديد إقامة وغيرها، وأصيب في ركبته إصابة قوية، ولديه أخ لديه تأمين طبي، وأذن له بالعلاج باسمه، هل يكون هذا جائزاً؟
الجواب يكمن في النقاط التالية:
1 - إذا كان بمقدار ما دفع هو أو من أذن له لفظاً أو عرفاً، فيكون ذلك في شركات التأمين التجاري من باب الظفر بالحق الذي له من مال الشركة، سواء كان من عين المال الذي دفعه، أو من أرباح ماله، حيث يكون له من الربح ما يكون بين من غصب ماله فربح فيه، يكون صاحب المال شريكاً للغاصب العامل فيه في ربح المال بسهم المثل أو أجرة المثل، والذي يحدد سهم المثل أو أجرة المثل هو العرف.
وأما في شركات التأمين التعاوني، والذي تشترط في دخوله فيها أن يكون متبرعاً لمن يتضرر من الحوادث لمن كان مشاركاً من أعضاء الشركة، فهذه الأموال تبرع لأناس مخصوصين بشروط معينة لا يدخل من كان أجنبياً معهم، وهل يحق له أن يتبرع بما تبرع به بعد تخصيصه في أوصاف أو شروط معينة وبعد خروج المال من حيازته، الظاهر: لا.
وأما إذا لم تشترط شركة التأمين التعاوني أن يكون التبرع لمعينين، وإنما لمن تضرّر بالحوادث مثلاً، فلا بأس لمن انطبق عليه الوصف قبول تبرعهم.
فإن قيل: كيف يكون تعاونياً وهو مكره على التبرع وليس مختاراً.
فالجواب: أن الشركة لم تكره العضو على الدخول فيها، وإنما الإكراه من غيرها،
والقاعدة: فرق بين الإكراه على الشيء، ودفع الإكراه بالشيء - وقد تقدمت في القواعد - وهذا المساهم بمشاركته الشركة دفع الإكراه بها، ولم تكره الشركة على المساهمة بها، مع أن أموال شركة التأمين التعاوني، لا تعود لأناس معينين، وإنما القائمون عليها لهم نسبة لقيامهم وإشرافهم ودفع أجرة من يستأجرون لمصلحتها، والباقي يكون تبرعاً لمن ينطبق عليه شرط الشركة.
2 - إذا كان الإنسان مضطراً، للأخذ منها ولم يجد مجالاً آخر إلا هي، وليست عنده قدرة لدفع الضرر عنه إلا منها، فإنه يجوز في حال الاضطرار ما لا يجوز في حال الاختيار، قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}.
والقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات.
والقاعدة: الضرورات تقدر بقدرها.
3 - إذا كان لبيت المال نصيب من تلك الشركات، وليست لديه قدرة ولم يجد ما يدفع به الضرر الذي وقع عليه، إلا منها، فإنه يكون من نصيب بيت مال المسلمين، وفي الحديث:(أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يُؤْتَى بالرَّجُلِ المَيِّتِ عليه الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: هلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِن قَضَاءٍ؟ فإنْ حُدِّثَ أنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً، صَلَّى عليه، وإلَّا، قالَ: صَلُّوا علَى صَاحِبِكُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عليه الفُتُوحَ، قالَ: أَنَا أَوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِن أَنْفُسِهِمْ، فمَن تُوُفِّيَ وَعليه دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَن تَرَكَ مَالًا فَهو لِوَرَثَتِهِ)، والله تعالى أعلم.
*** *** *** *** ***
د. محمد بن سعد الهليل العصيمي - كلية الشريعة بجامعة أم القرى - مكة المكرمة