عطية محمد عطية عقيلان
يعتبر التقصي عن الحقائق من الركائز الأساسية للعمل الصحفي بمختلف أوجهه للإعلامي، ويسعى طيلة عمله المهني للبحث عن الحقيقة لتعزيز مصداقيته، بكشف المستور وتسليط الضوء عليها بغرض علاجها وتصحيح المسار، فلجأت الكثير من الشركات والجهات الحكومية لتقديم الحقائق التي تعين على محاربة أي قصور أو فساد أو استغلال لضعاف النفوس من الثغرات وتجاوز القانون، وأدى ذلك لمحاربة الإشاعات والتأويل غير الصحيح من العوام أو الإعلاميين الباحثين عن الشهرة والطرح الشعبوي من خلال ما يُسمى «الدنفسة» في تزييف الحقائق وإشاعة الكذب وإعطاء معلومات مغلوطة عن المتجاوزين سواء أفراد أو كيانات بتمييع ما يقومون به من تجاوزات ومخالفات للأنظمة والقوانين، واستطاعت جهات حكومية بالقضاء على ذلك من خلال عرض الحقائق وكشفها للعموم، فمثلاً ما تقوم به إدارة الأمن العام تحت مسمى «تم القبض» بنشر المخالفات المرتكبة ومن قاموا بذلك بصورة واضحة دون إعطاء أي مجال للتأويل ونشر الإشاعات مع التنبيه على الأساليب التي قاموا بها لرفع وعي الناس، كذلك ما تقوم به وزارة التجارة من جولات ميدانية وكشف المخالفين للرأي العام وأثر ذلك في رفع وعي الناس بطرق وأساليب التلاعب لتجنبها وطريقة الإبلاغ عنها، مع نشرها في حسابات التواصل الاجتماعي عبر مؤثّرين من أجل تعميمها ووصولها إلى أكبر شريحة من الناس، وتلعب الصحافة دوراً إيجابياً في كشف بعض القضايا من خلال التقصي والتحقيق لكشفها، ومن هذه الأمثلة ما قام به الصحفي جون كاريو بالتحقيق في ادعاءات المليارديرة اليزبيث هولمز من خلال ترويجها لاختراعها بوجود فحص دم يتم من خلاله اكتشاف الأمراض، فقام الصحفي بكتابة 40 مقالة يدحض ادعاءها وأنه غير ممكن طبياً، وأدت تحقيقاته الصحفية إلى دفع الحكومة الأمريكية لتقصي أوضاع شركتها «ثيرانوس» ومنها انهارت إمبراطوريتها المزيّفة شيئاً فشيئاً وكانت هذه التحقيقات القشة التي قصمت ظهر البعير وكشفت التلاعب وهذا الاحتيال العلمي، كما كانت للصحافة دور كبير في كشف العديد من نجوم هوليود بقضايا ابتزاز واستغلال جنسي من خلال تسليط الضوء بتحقيقات استقصائية عن ما قاموا به في حياتهم، ولم يسلم نجوم الرياضة والأبطال الحاصلون على ميداليات ذهبية من تحقيقات كشف تلاعبهم وتعاطيهم منشطات ومخالفة القوانين والتحايل عليها وأنت إلى تجريدهم من ألقابهم ومنعهم من المشاركة الرياضية.
لذا للإعلام دور مهم في كشف الحقائق وتسليط الضوء عليها ومعاقبة المتجاوزين، وهي الإرث الحقيقي لأي صحفي للعب دور مهم والمساهمة برفع وعي المجتمع من خلال البحث والتقصي وعرض الحقائق بعيداً عن الميول والعاطفة والعصبية والمصلحة، وطرحها بحيادية وموضوعية، لأن ذلك يساهم بدور حقيقي في كشف المتلاعبين ومستغلين ثغرات القانون، ونتذكر جميعاً أن في انكشاف الحقائق رادعاً للآخرين باحترام الأنظمة والقوانين، وليكن كل إعلامي عوناً للجهات الرقابية في تطبيقها والتحذير من مخالفتها، كما حدث في الدوري الإيطالي عام 2006م، التي كشفت الشرطة الإيطالية عن تسجيلات بالتلاعب بترتيب الدوري وأدى إلى قرارات بهبوط نادي أي سي ميلان ولاتسيو إلى الدرجة الأولى لمخالفتهما اللعب النظيف وكان للصحافة دور إيجابي في تطبيق ذلك.
خاتمة:
دور الإعلام الاستقصاء وعرض الحقائق ومحاسبة كل مخطئ ومستغل ومتجاوز للقانون ولبس «الدنفسة» بتغطية الأخطاء وتبريرها، وكما حبل الكذب قصير كذلك طريق «الدنفسة» خطير وآفة تستوجب من الجميع محاربتها لكي نصل بمجتمع يحترم النظام والقانون ولا يجد من يغطي تجاوزه.