يقترن اسم والدتي حصة بنت محمد الحكير رحمها الله بعبور مجيد للزمن بتوفيق من الله؛ فقد كانت رحمها الله وضيئة الحضور؛ متوقدة الذهن لا تضيعُ استدلالاتها، ولم تنته عناوين والدتي المؤثرة حتى بعد وفاتها، تحمل حلاوة الروح، وطيب اللسان، وروعة المعشر! فقد اختزنتْ والدتي حصة بنت محمد الحكير رحمها الله تاريخا لا يستطيع كل أحد أن يستوعب تفاصيله؛ إلا من اقترب منها ليرى النور والحكمة وكيف تُزرَع المحبة وتُسقى وتترعرع حتى أصبح أسلوبها رحمها الله وسما ونموذجا يُحتذى، والحقيقة التي لم نختلف عليها يوما أن والدتي وقفت معنا شامخة حتى استلبَ هدوءنا الموت برحيلها رحمها الله.
عظيمة هي والدتي، وهي بركة في حضورها العائلي ووجودها في جوارنا؛ دفنت والدتي حصة الحكير حزنها على فراق والدي الشيخ سعد بن فهد بن كريديس طي روحها كي لا ينسكبُ الحزن في أعماقنا ثم تعلنه عيوننا وإن كانت دموعها الغالية رحمها الله سلكت سبيلها عليه غير بعيد رحمها الله ووالدي وجمعنا بهما في الفردوس!؟ فكان منهج والدتي بعد وفاة والدي بمثابة الارتواء بشيء من الطمأنينة فقد بثتْ في محيطنا مكاييل وفيرة من مفردات السكينة في الحياة فرسمت والدتي حصة الحكير رحمها الله دستورا غير مكتوب للتعامل معنا نحن أبناءها وبناتها؛ فكانت تحمل رؤية غير عادية سبقت عصرها منذ شبابها عندما آمنت أن مستقبل أبنائها يكمن في التعليم والدُربة على التعامل مع مفاتيح الحياة، فلقد كنّا نستعرض أمامها ما نلناه من المعرفة وهي رحمها الله تستزيد ما تراه حسنا! حتى بسقت زروعها فأصبح أولادها وبناتها أكفاء بارزين، بفضل من الله (الأخ الأكبر الأستاذ عبدالعزيز والدكتور منصور والأستاذ عبدالمجيد والأستاذ أحمد والمهندس سلمان والشيخ كريديس) وأنا كاتبة المقال «مشاعل» وشقيقتي منيرة.
رحلت والدتي إلى جوار ربها في الثالث عشر من شهر ذي الحجة 1443هـ رحمها الله وأسكنها الفردوس ووالدنا ووالديها وإخوانها وأخواتها وذويها وأحبابها.
وإذا ما عدنا إلى المنابع الثرية التي ارتوتْ منها والدتي فقد ولدت وتربت في بيت والدها محمد بن فهد الحكير ذلك البيت الذي تجلّتْ فيه مكارم الأخلاق، والاندماج الصادق الحقيقي والفاعل مع المجتمع والصعود الوطني الملحوظ في بدايات النهضة الحديثة لبلادنا؛ ولوالدتي رحمها الله أربعة إخوة أجلاء أخوالنا (عبدالله وناصر رحمهما الله والخال فهد وعبدالرحمن حفظهما الله).
ومن الأخوات الخالات موضي ونورة ومنيرة رحمهنّ الله والخالتان الجوهرة ووسمية حفظهما الله، أما والدة أمي فهي السيدة الوقورة فاطمة الوشمي رحمهم الله جميعا! وفي بيت والدها محمد بن فهد الحكير رحمهم الله نسجتْ والدتي علاقات ودودة حميمية مع كل فرد في عائلتها الممتدة،ففاح عطرها في مجتمعها ومنحتهم الحب والسكينة والأمان.
وهناك علاقة استثنائية مع ابنة عمتها المرحومة منيرة بنت عبدالعزيز بن شلهوب حرم الشيخ عبدالمحسن بن سعيد أمد الله في عمره، وكانت تلك الوشائج محط الأنظار وحديث القدوة كمفهوم تطبيقي بين أفراد الأسرة.
تُحسنُ والدتي التخطيط لإدارة منزلها فلم تكن منجزات شئون منزلها محض الصدفة إنما صناعة بعقل، وتجريب بتروٍ، واتقان مُشاهد حتى يأتيها اليقين،كما تبنتْ والدتي حصة الحكير مبادئ خيرة ورسمت لأبنائها صواب التوجه بتوفيق الله فكان دورها بارزا ومؤثرا في توجهات وقناعات العائلة؛ ومسيرتهم في الحياة وما يجب ادخاره من الأعمال الصالحة لآخرتهم.
وعندما دكّ المرض كيانها في السنين الأخيرة لم تتضعضع إرادتها ولم تتنحّ عن منهجها المحفز الداعم المحب للخير فالتزمت كأم وحازتْ الأمومة بكل اقتدار حتى عندما كبرنا وأصبح عندها من الأحفاد من كانوا يرونها بمرآة صقيلة صافية ما زالت تحيطنا بمفهوم الأمومة الذي يقيم لنا الأوتاد، ومارستْ والدتي حصة الحكير طقوسها بكل سعادة فإحساسها الصادق كان يسبقها دائما، وهي لا تشكي لأحد مقدار تعبها!! منحتنا وأهلها مكاييل من الحب الصادق والتواصل الرفيع والأدب الجمّ فتوفاها الله وهي ترى العم عبدالرحمن والعم عبدالله والعمة لطيفة والعمة مها حفظهم الله تراهم نور عينيها وسعادتها.
رحلت والدتي حصة بنت محمد الحكير إلى جوار ربها؛ وغادرتْ صفاء الأمكنة وابتهاج الأزمنة إلى جنات الخلد بجوار رحمن رحيم.
فوداعا يا والدتي، وسلاماً على روحك الطاهرة في مثواها الأخير.. وأنتِ بعيدة عنا هناك؛ مازال حنيننا إليكِ يا والدتي وقود أوقاتنا وحبل تواصلنا، ورباطنا المتين، وكتابنا الذي يكتبنا جميعا ولا نكتبه.
** ** **
- مشاعل بنت سعد بن فهد الكريديس