أ.د.عثمان بن صالح العامر
مقابل (الاستلاب الثقافي) الذي يعد من أكثر المصطلحات شيوعاً في خطابنا العربي المعاصر لتوصيف علاقة المثاقفة بيين ثقافاتنا العربية المتنوعة من جهة والثقافة الغربية من جهة أخرى، مقابل هذا المصطلح الذي ساد ردحاً من الزمن بدأ اليوم يطرح مصطلح (التبادل الثقافي) جراء معطيات عدة، ونتيجة تحولات عالمية لا تخفى، وعقب أحداث سياسية وفكرية مفصلية في تاريخ البشرية أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على موازين القوى العالمية (ثقافياً).
ويعني (التبادل الثقافي) لدى أهل الاختصاص: «انتقال الثقافات بين الأمم عبر الوسائل المشروعة والإرادة الحرة لكل أمة في اختيار ما يناسبها»، وهذا يومئ إلى أن المصطلح يحمل معنى التقابل، والأخذ والعطاء بشكل متبادل، والاختيار بوعي من قبل طرفي مشروع التبادل الثقافي لما يتناسب ويتفق مع المرتكزات الأساس التي يقوم عليها المجتمع، ويلبي ويفي باحتياجات المرحلة.
ويتطلب قيام التبادل الثقافي بين ثقافتين:
1 - وجود الإرادة الكاملة لدى الطرفين.
2 - تحديد الوسائل المشروعة لانتقال الثقافات.
3 - مخاطبة العقل أساساً ومنحه فرصة كاملة للنظر والفهم والحوار والنقد».
لقد أراد ساسة العولمة وفلاسفتها ومنظروها ومثقفوها وإعلاميوها منذ عشية ميلادها أن يسوقوا الشعوب سوقاً للإيمان المطلق بثقافة عالمية واحدة يعتنقها الجميع ولا يُقبل منهم غيرها - وهذا هو الاستلاب الذي أشرت إليه أعلاه -، وكان في هذا الطرح العالمي - الذي اعتقد الكثير من المفكرين حينها أنه شر- شيء من الخير، إذ بدأ الساسة والأكاديميون المختصون والمثقفون والكتاب هنا وهناك ينبشون كتبهم، ويفتشون في تراثهم عن ملامح ومعالم خصوصيتهم الثقافية، ويعيدون قراءة تاريخهم الثقافي، ويستكشفون سِيَر أعلامهم الأفذاذ الأحياء منهم والأموات، فضلاً عن أنهم أضحوا يغازلون الثقافات الأخرى التي وجدوا أن لهم معها تاريخاً، وأن لدى شعوبها قابلية للتعاطي والحوار، خاصة تلك التي لم يكن بينهم وبينها صدام وتدافع وخصومات، وساعدت الثورة التقنية ووسائل الإعلام الجديد على ردم الهوة، وتقريب الفجوة، وتقصير المسافات، وتجاوز الحدود، وتذليل العقبات، حتى تحقق شيء من التعارف العالمي، العلة المنصوص عليها في كتاب الله للتنوع الإنساني الذي هو قدر من أقدار الرب سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات/ 13)، وتولد عن هذا الحراك في الفضاء الثقافي ما عُرف بالتبادل الثقافي الذي يتجاوز الدائرة الغربية لينفتح على الثقافات العالمية أجمع حتى تلك التي كنا نظنها أنها اندثرت وصارت أثراً بعد عين، وهذا التحول السريع في فضاء الثقافة جزماً سيعزز مكانتنا الثقافية عالمياً نظراً لما تتميز به من ثراء وتنوع وجمال، ولكن الوصول لتحقيق الفاعلية الثقافية، والحضور المؤثر، والقدرة على تصدير موروثنا الثقافي لجميع أقطار الكرة الأرضية، وتسويق ثقافة المملكة العربية السعودية دولياً، يتطلب مد جسور التواصل اللغوي بشكل علمي رصين، وفهم عقلية المتلقي، وقبل هذا وذاك نبش مكوننا الثقافي وإعادة صياغته وقراءته بما يتوافق مع ذهنية العصر ولا يتعارض مع مسلماتنا العقدية وقيمنا الدينية التي نحترمها ونعتز بها، وهذا ليس بالشيء المستحيل بلا ولا حتى الصعب ولكنه يحتاج إلى الإرادة والعزم ونحن في عهد العزم والحزم، ووزارة الثقافة بقيادة صاحب السمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان تواقة للعالمية الثقافية فلاً عن حرصها الشديد على تعزيز الهوية الثقافية داخلياً، والمحافظة على الخصوصية والذاتية مع الانفتاح الثقافي عالمياً، انطلاقاً من رؤية المملكة 2030 التي أولت هذا الجانب جل اهتمامها، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.