عبدالوهاب الفايز
21 سبتمبر 2005، ألقى الأمير سعود الفيصل -رحمه الله - كلمة خالدة عن الطاقة وأسواق البترول العالمية، في جامعة رايس بمدينة هيوستن. الراحل الكبير أكد حينئذ أن هناك ثلاثة متغيرات أساسية مؤثّرة في أسواق البترول هي: الإنتاج والاستهلاك والمتغيّرات السياسية والنفسية. وحدد أربع مشاكل هيكلية تواجهها صناعة الطاقة العالمية وهي: أولاً: الحاجة الدائمة لاستثمارات كبيرة لتطوير القدرات من قبل الدول المنتجة (وهي سوف تكون ملامة دوماً سواء سعت إلى زيادة الإنتاج أو لم تسع!). ثانياً: قلة أعداد المصافي العالمية وعدم التوسع فيها لأسباب قوانين البيئة، ما حد بقدرات صناعة التكرير. ثالثاً: المضاربون في الأسواق الدولية الذين يتلاعبون في الأسعار. وأخيرًا: الضرائب الكبيرة المفروضة على منتجات الطاقة، والتي ترفع الأسعار على المستهلكين والتي تجني منها حكومات الدول المستهلكة بالغرب إيرادات كبيرة تتجاوز ما تجنيه الدول المنتجة.
وأكد الأمير سعود الفيصل التزام المملكة برفع قدراتها الإنتاجية، رغم حالة عدم اليقين المستمرة في أسواق الطاقة، حيث التذبذب المستمر قائلاً: (عند معالجة أوجه عدم اليقين هذه، يجب أن أؤكد على سجل المملكة العربية السعودية المثبت في الوفاء بالتزاماتها الإنتاجية بغض النظر عن الأزمات الدولية والاضطرابات السياسية أو حتى الحروب. لقد حافظنا على التزامنا حتى عندما كانت الحروب تخاض في منطقتنا، وعندما يتم إشعال النار في ناقلات النفط في الخليج وعندما تتعرض مدننا ومنشآتنا النفطية للهجوم بصواريخ سكود).
وما أشبه الأمس بالحاضر كما يقولون. فالأسبوع الماضي استقطب الاهتمام العالمي حوار سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان الخاص لوكالة بلومبيرغ والذي أشار فيه إلى (أن مجموعة أوبك بلس أكثر التزاماً ومرونة، ولديها وسائل ضمن إطار آليات إعلان التعاون تمكنها من التعامل مع هذه التحديات، التي تشمل إمكانية خفض الإنتاج في أي وقت، وبطرق مختلفة، وهو ما أثبتته مجموعة أوبك بلس مرارًا وبوضوح خلال عامي 2020 و2021م).
وهذا يؤكد الموقف الثابت للمملكة تجاه قضايا الطاقة التي تهم العالم. فالمملكة ملتزمة بقضايا المناخ المصيرية، وملتزمة برفع كفاءة استخدام الطاقة، وملتزمة أيضاً باستقرار أسواق البترول العالمية، وعدم العبث بالأمور الأساسية الهيكلية للصناعة البترولية. فالمملكة حرصت بقوة على رعاية مصالح كل من المنتجين والمستهلكين للطاقة فتبنت إنشاء منتدى الطاقة العالمي عام 2000، والعالم جميعه يعرف ذلك والأصدقاء والحلفاء وأمريكا بالذات.
وأبرز التحديات التي تسوقها الأقدار إلينا، حددها الأمير عبدالعزيز بن سلمان في كلمة المملكة في مؤتمر الدول الأطراف لتغيير المناخ في غلاسكو العام الماضي. فقد ذكر سموه: (إن الطابع العالمي لتغيُّر المناخ يتطلَّب استجابة دولية مشتركة وفاعلة، ونجاح هذه الاستجابة يكمن في تحقيق ثلاث ركائز أساسية، أولها أمن الطاقة، وثانيها التنمية الاقتصادية التي تكفل رفاهية الشعوب، وثالثها التصدي لتحديات التغيّر المناخي، ويجب أن تُراعى هذه الركائز جميعها معًا، دون إخلال بواحدة من أجل أخرى، مع أهمية الإقرار بتعدد الحلول لمعالجة مشكلة التغيّر المناخي من خلال التركيز على الانبعاثات كما وردت في اتفاقية باريس، ودون التحيز تجاه مصدر من مصادر الطاقة دون الآخر).
ونبَّه الأمير عبدالعزيز كذلك، إلى أن المضاربين يقومون بممارسات مضرّة بأمن الطاقة، حيث أشار إلى أن سوق البترول الآجلة واقعة (في حلقةٍ سلبية مفرغة ومتكررة تتكون من ضعف شديد في السيولة وتذبذب في الأسواق، تعملان معًا على تقويض أهم الوظائف الأساسية للسوق؛ ألا وهي الوصول بفاعلية إلى الأسعار المناسبة والصحيحة. وتجعل تكلفة التحوط وإدارة المخاطر كبيرة جداً على المتعاملين في السوق الفورية. ولهذا الوضع تأثيره السلبي الكبير في سلاسة وفاعلية التعامل في أسواق البترول، وأسواق منتجات الطاقة الأخرى، والسلع الأخرى لأنه يُوجِد أنواعًا جديدة من المخاطر والقلق). وإن وضع السوق يضطرب مع تسويق المزاعم (التي لا تستند إلى دليل في الواقع حول انخفاض الطلب في السوق، والأخبار المتكررة بشأن عودة كميات كبيرة من الإمدادات إلى الأسواق، والغموض وعدم اليقين بشأن الآثار المحتملة لوضع حد سعري على البترول الخام ومنتجاته).
إن أمن واستقرار أسواق الطاقة أمر جوهري تضعه المملكة دوماً في أولوياتها، لأنه يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين. وهذا ما يستدعي منها، كأكبر المصدرين، ضرورة التدخل لتصحيح وضع السوق لضمان استقراره بما يخدم مصالحها أولاً ومصالح الاقتصاد العالمي.
لذلك، فالمملكة مطالبة بالمبادرة لقيادة استقرار الأسعار وتحييد مخاطر تلاعب المضاربين بها، حتى لو تطلب ذلك خفض الإنتاج. والمملكة لديها القدرة والخبرة على قراءة السوق من جهات محايدة ولا تستسلم لمصالح المضاربين الذين لا يهمهم المستهلك أو المنتج.
ولا يجب أن نأخذ بالاعتبار غير المتغيرات الأساسية التي تحكم أسواق البترول العالمية، وعدم الاهتمام بما يثار من قبل الساسة والإعلام الغربي وأمريكا بالذات، فقد اعتدنا منهم توجيه اللوم والتقريع لنا سواء زدنا أو خفضنا الإنتاج، فحالنا معهم شبهه المتنبي:
ومن يك ذا فم مر مريض
يجد مراً به الماء الزلالا