الهادي التليلي
الخلاف الليبي الليبي أو الصراع على السلطة بين شرق ليبيا وغربها ليس في الحقيقة والأساس مسألة ليبية بحتة بل في عمق المسألة, وهنا نعي جيداً ما نقول لا أحد من الفرقاء سعيد لهذا الوضع الذي يعد الجميع خاسرين فيه والرابح هو في الحقيقة طرف خارجي غير ظاهر في المعادلة, بل كل من يحاول تناول المشهد الليبي من الداخل الليبي يحاول رمي الكرة على الضفة الغربية الليبية إن كان من الشرق والعكس بالعكس, ولنا في اشتباكات 26 أغسطس والتي راح ضحيتها عشرات الأبرياء قتلى وما يناهز المائة والأربعين من الجرحى أكبر مثال, حيث بادر جماعة الدبيبة باتهام جماعة باش آغا بكونهم من تسبب في الاشتباكات, وكونهم من يحاول افتكاك السلطة بالقوة خارج الصندوق الانتخابي, وفي الضفة الأخرى يتهم جماعة باش آغا جماعة الدبيبة بكونهم تمردوا على شرعية مجلس الشعب المنتخب ورفضوا الانصياع للإرادة الدولية, وكون الدبيبة هو من عطل الانتخابات ومن فرض على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ترشحه الذي يرونه غير شرعي.
في الحقيقة الثالث المرفوع هو ليس فقط القوى الخارجية التي بسطت نفوذها على الميدان الليبي بطلب من أبناء البلد, وهنا لا نريد أن نسمي بعض الأطراف, لأننا سننسى غيرها لكثرة الفاعلين المرئيين واللا مرئيين, لدرجة أن بعضهم شبّه المشهد الليبي في وقت من الأوقات ببروفة الحرب العالمية الثالثة, الثالث المرفوع هو فعلاً ليس فقط من الخارج بل هو أيضاً من الداخل القصي, ونعني هنا النظام الليبي السابق ملخصاً في العودة المدوية لسيف الإسلام القذافي للمشهد وقبول ترشحه, بالرغم من احترازات دولية ومحلية ولكن بمباركة شعبية منقطعة النظير وهو ما جعل جميع الأطراف يعيدون حساباتهم حتى فرقاء الأمس اجتمعوا لمواجهة العودة القذافية الجديدة من خلال سيف الإسلام.
ليبيا البلد الشاسع والغني بالثروات الطبيعية من بترول وغاز ومعادن وسواحل هي الأغنى في ساحل البحر الأبيض المتوسط مع عدد من السكان لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة من الملايين, والذي كان بالإمكان أن يعيش أبناؤه في رفاهٍ منقطع النظير, يجد نفسه ضحية حسابات إقليمية أفرزت تنازعاً داخلياً بين الفرقاء الذين ينتمون لقبائل مترابطة ومتعايشة منذ التخلص من الاستعمار الإيطالي الذي لم يخلف سوى الدمار والتجهيل.
وكما يرى القريبون من المشهد الليبي أن ما يجمع أبناء هذا الشعب قادر على أن يلملم جراحاته, ويبني تنمية ورفاهية كافية لكل الليبيين وغيرهم وهو ما يعيه كل المتنافرين الليبيين, ولكن هل إن مصالح القوى الإقليمية تسمح بذلك؟ ذلك هو السؤال الحقيقي في ظل ضعف التدخل الأممي الذي هو في عمقه تكريس لدخول أجنبي دون غيره ومن ثمة الثالث المرفوع في المشهد الليبي هو مفرد بصيغة الجمع على حد التعبير الإدونيسي.