نشأت القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية في حضن الصحافة، ولم تكن في بدايتها تلتزم بالأصول الفنية والشروط التي يجب أن تتوافر في النص القصصي، وهي في ذلك لا تختلف عن مثيلاتها في أغلب البلاد العربية. وكان الكتاب -حينذاك- مشغولين بالقضايا الاجتماعية في ذلك المجتمع الناشئ.
وأول قصة قصيرة منشورة لأديب سعودي هي قصة عبدالوهاب آشي(على ملعب الحوادث)، التي تضمنها كتاب (أدب الحجاز)، الصادر في عام 1926م، كما أن أول مجموعة قصصية تنشر لأديب سعودي هي (أريد أن أرى الله) لأحمد عبدالغفور عطار في عام 1946م.
بعد ذلك بدأت القصة القصيرة بالانتشار، وتطورت فنيّاً، وتنوعت مضامينها، ثم بدأت منذ الثمانينيات الميلادية تستولي على مساحات واسعة من صفحات الجرائد والمجلات، كما كانت حاضرة في الأمسيّات القصصية التي كانت الأندية الأدبية تتسابق في إقامتها.
وأقبل عليها جمهور المتلقين؛ لأنها كانت تتناول قضايا تهمهم في وقت كان الوعي الثقافي لدى ذلك الجيل يتنامى.
وقد واكب النقد ذلك الإنتاج الغزير، والتطور الفني الذي وضحت ملامحه منذ الثمانينيات الميلادية. وكان لمساهمة النقاد وأساتذة الجامعات السعوديين وغيرهم من بلادنا العربية آنذاك أثر فيما صاحب تلك المرحلة من وهج للقصة القصيرة في المملكة العربية السعودية.
ومن أهم أسباب ذلك توافر نخبة من الكتاب الذين أخلصوا لهذا الفن حتى بلغ مرحلة النضج على أيديهم، ومن أهمهم: محمد علي علوان، وسباعي عثمان، وجارالله الحميد، وحسين علي حسين، وكذلك الجيل الذي تبعهم، مواصلاً التجريب ومواكبة التيارات الحديثة، ومن أهمهم: سعد الدوسري، وعبده خال، ويوسف المحيميد، وعبدالعزيز الصقعبي، وحسن النعمي، وفوزية البكر، وأميمة الخميس، وشريفة الشملان، وبدرية البشر، وقماشة السيف، ولطيفة السالم، ورقية الشبيب.
ولكن ذلك الوهج الذي صاحب القصة القصيرة في المملكة العربية منذ الثمانينيات الميلادية بدأ يتراجع حتى وصل مرحلة الركود في الوقت الحاضر. ويبدو لي أن من أهم أسباب ذلك أن من هؤلاء الكتاب من انصرف إلى كتابة الرواية، ومنهم من توقف عن الكتابة، تاركاً الساحة الأدبية لكتاب لا يتمتعون بموهبة أدبية، تساعدهم على كتابة قصة قصيرة جيدة. لقد استسهلها كثيرون، غافلين عن كونها فنّاً شديد التكثيف، لا يتأتى لأي أحد. ومن الكتاب من استبدل القصة القصيرة جدّاً بالقصة القصيرة؛ مواكبة للفضاء الشبكي الذي أصبح نافذة مهمة، يطل منها الكاتب على قرائه. ومن أسباب ذلك أيضاً أن كثيراً من دور النشر أصبحت تهتم بما يطلبه القراء؛ فانصرف أصحابها إلى طباعة الروايات ونشرها، كما أن كثيراً من الكتاب وأصحاب دور النشر قد أدركوا أن القصة القصيرة لم تأخذ نصيبها من الجوائز الكبرى التي حظي بها كل من الشعر والرواية، فضلاً عن تهميش القصة القصيرة في المجال النقدي، وفقدانها ما كان يحتضنها من صحف ومجلات.
وما يحدث للقصة القصيرة، يمثل مفارقة ملفتة للنظر؛ إذ إننا في الوقت الذي أصبح التوجه فيه للقراءة السريعة، بتنا نشهد عزوفاً عن فن القصة القصيرة، واتجاهاً نحو فن الرواية.
ومع ذلك كله، أرى أن مرحلة الركود لن تدوم؛ فالزمن تتغير معطياته، وهذا الفن الأدبي يستجيب لحاجات الإنسان المعاصر، حاملاً قيماً جمالية، تغري المتلقي بالانحياز إليه. وأظن أن هذا لن يتحقق إلا بتنحية كل متطفل على هذا الفن عن منافذ النشر، وتشجيع المواهب الحقيقية التي تعيد للقصة القصيرة وهجها ومكانتها بين الفنون الأدبية المعاصرة.
** **
- محمد بن سليمان القسومي