د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
ويأتي عمل أستاذنا الدكتور عبدالله بن علي الشلال امتدادًا لاهتمامه المبكر بالألفية منذ تعلمها أثناء الطلب ثم درسها ودرس شروحها وحقق بعض تلك الشروح، قال أستاذنا «وقد أحببت ألفية ابن مالك رحمه الله، وأولعت بها وبشروحها منذ كنت طالبًا، ودرستها عدة سنوات، وعنيت بتحقيق بعض شروحها ونشرها؛ ليستفيد طلاب العلم والباحثون في قضايا النحو والصرف من تعدد الشروح بأساليب متنوعة سهولة وبسطًا».
ولهذا الكتاب أهمية أظهرها مؤلفه الأبناسيّ في مقدمته الموجزة إذ قال «فإن كتاب الخلاصة للشيخ جمال الدين ابن مالك، عذُب لفظه، وكبُر حظه، وقد ولع به أهل الزمان، وسارت به الركبان، وكنت ممن واظبه بحثًا وحفظًا، وقيّدته معنًى ولفظًا، وجمعت عليه شروحًا موجزة ومسهبة، فلخصت لنفسي منها جملة مقربة؛ ليسهل عليّ وعلى كل مبتدئ فهم معضله، وحل مشكله، قاصدًا بذلك وجه الله».
ومن أجل ذلك حرص أستاذنا على عرض الكتاب على غيره من شروح الألفية خاصة شرح المرادي لشدة اعتماد هذا الشرح على عبارته والاستفادة من إحالاته الأقوال إلى أصحابها مثل القول بأن الأسماء قبل تركبها لا معربة ولا مبنية نسبه الشارح لابن عصفور وهو ما ذكره المرادي قبله.
ولم يكتف أستاذنا بما يقتضيه الكتاب من أمر التحقيق والتدقيق والتوثيق بل راح يدرسه دراسة فاحصة معمقة كشفت عن جوانب مهمة، فدرس حياة الشارح الأبناسي وذكر آثاره العلمية، ودرس الكتاب فبين منهج الأبناسي في شرح الألفية وآراءه ومذهبه النحوي، وما كان من مخالفته للناظم، وما له من ملحوظات على عبارات الألفية، وتتبعه الاختلافات بين بعض كتب ابن مالك والألفية، وما استدركه عليها من شروط وما اقتضت من تتمات، ثم إنه تعقب أقوال ابن الناظم لأهميتها فهو أول شراح الألفية، ولم ينس أن يعرف صاحب الخلاصة ابن مالك وقد أحسن بإيراد ذلك موجزًا.
ولم يقف أستاذنا أمام نص الشرح موقف المحقق بل تجاوز ذلك إلى موقف الناقد فتراه في حواشيه يستدرك على الشارح فعند قوله «والمركب تركيب تقييد كغلام زيد» علق أستاذنا في الحاشية قائلًا «مثال المركب تركيب تقييد: حيوان ناطق، أما (غلام زيد) فمركب إضافي»، وفعل أستاذنا تقيد بحرفية التحقيق؛ إذ يبدو أن النص ناله شيء من الحذف بانتقال نظر الناسخ، وكان من المفيد في نظري إثبات هذا الحذف في المتن مع الإشارة في الحاشية إلى ذلك. ومن ذلك قول الشارح «قال ولده: لفظة استقم من تمام الحد. ورد بأنّ الكلام عند النحويين هو المفيد، وقد تمّ الحدّ به، فاستقم مثال، لا تمام»، وعلق أستاذنا في الحاشية بعد توثيق قول ابن الناظم «والحقيقة أن قول ابن الناظم لا يختلف عن قول والده ولا عن قول النحويين، حيث قال:(الكلام عند النحويين هو اللفظ الدال على معنى يحسن السكوت عليه، وهذا ما أراد بقوله: مفيد كاستقم، كأنه قال الكلام لفظ مفيد فائدة تامة يصح الاكتفاء بها كالفائدة في استقم، فاكتفى عن تتميم الحد بالتمثيل) فاستقم جملة مفيدة يحسن السكوت عليها، فاكتفى بها في الدلالة على المراد».
أعجبني التزام المحقق رسم تنوين المنصوب على الحرف لا الألف، ورأيته يرسم الألف بعد الأسماء التي تنتهي بألف وهمزة خلافًا لما ألفه الناس من ترك الألف إن ختم الاسم بألف وهمزة، وهذا عود بالفرع إلى الأصل وهو ما قرره المحقق وزملاؤه المؤلفون لكتاب (دليل توحيد ضوابط الرسم الإملائي للكتابة العربية) الذي نشره المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج- الكويت 2009م).
وبعد فهذا الكتاب هدية قيمة لطلاب العربية وإثراء لمكتبة النحو الجليلة وهو بما ازدان به من دراسة معمقة مجال خصب لتوسيع آفاق هذه الدراسة واستقصاء جوانب البحث فيها لتشمل وصف عبارات الشارح وموازنتها بعبارات الشروح الأخرى ومراجعة الأقوال والآراء المنسوبة للعلماء للتحقق من صدق نسبتها إليهم ودقة الفهم عنهم، ولعل أحد طلاب الدراسات العليا ينشط لمثل هذا.
دعاء من القلب بالتوفيق لهذا العالم الجليل الذي وهب نفسه للعربية ولطلابها.