عطية محمد عطية عقيلان
دوماً يغرِّد المفكر إبراهيم البليهي ويطرح فلسفة جريئة، في نقد الفكر والحضارات المتخلفة بغرض رفع الوعي، واستمرار لقبول الآخر، فقد صدر له كتاب: حضارة معاقة (إمكانات هائلة تدار بحكمة هزيلة واستغراق في صراعات البقاء)، تناول فيه قصة الإنسان منذ وجوده على هذه الأرض، وكيف انه أمضى هذا الزمن شريدا ناقصا عاجزا، وهو استمرار لنهج وفكر البليهي، حول مشروع العقلانية، ومعضلة البشر في الأوهام الراسخة، والتصورات الخاطئة، والولاءات الموروثة، المرهونة بكراهية الآخر، المغاير، والأحكام القاطعة حول ما يجب فعله وما يجب تركه، وأن كل أمة ترث تعاليم تحدد لها كل شيء، ولا تترك مجالا للتفكير أو التدبر، ومع كل هذا الشمول القاطع يتوارثونها بشكل تلقائي حتمي.
ويؤكد البليهي على تأثير الأنساق الثقافية بالتحكم في الأمم، وأنها معضلة، فالجهل يتكون من بنية شديدة الكثافة، بالغة التعقيد، تلقائية، المقاومة للمغايير، فيرى أن الجهل المعضل هو الجهل الذي يتابع به البشر، ثم يجعلونه معيارا للقبول أو الرفض، أو للصواب والخطأ، وللحسن أو القبح، إنه يوهم الإنسان بأنه يعلم، إنه التوهم الدائم للمعرفة، إن المتطبع بأي نسق ثقافي لا يكتفي بأنه قد تطبع بالحقائق الناصعة، وإنما يكون ما تطبع به، هو مرجعيته الثابتة القاطعة، للحكم على الأفكار والأفعال والأشخاص والأعمال والاتجاهات والأوضاع.
ويركز البليهي على ضرر «التوهم» على الإنسان بأنه يعلم وهو في الحقيقة لا يعلم، ولكن هذا التوهم يؤثر في ردات أفعاله وأقواله، ويجعله يجهل بجهله وبقلة إدراكه، وبهذا الجهل البنيوي يصاب العقل بالعمى المطبق.
هذا الكتاب بطرحه استمرار لنهج إبراهيم البليهي في «مشروع العقلانية» والدعوة للتفكير العلمي ومحاربة التلقين، ويكرر الأسئلة العميقة حول الحضارات والعقل البشري والموروثات، ويركز ويدعو دوما إلى أهمية احترام الرأي الآخر، ولغة الحوار بين مختلف الثقافات، لإزالة الأوهام والتصورات الخاطئة، ولهذا يحتاج الإنسان إلى أن ينفتح على الثقافات الأخرى ويستفيد منها، ويطور فكره، بعيدا عن الأحكام المسبقة المعلبة، الرافضة لكل غربي أو حضارة أو معلومة مختلفة، دوماً كتب البليهي إضافة معرفية فلسفية تحفز على التفكير والإبداع وطرح التساؤلات والتي تقود إلى مزيد من المعرفة والبحث عن إجابات وتعديل المفاهيم والنظر بحيادية والحكم بموضوعية. البليهي بطروحاته يأخذك إلى مكان مختلف وآفاق فكرية بعيدة، مع تأكيده في كتابه، على الرغم من أن الحضارة المعاصرة، معاقة فكرًا وأخلاقا، ولكن رغم هذه الإعاقة، فإنها قدمت للإنسان والإنسانية مكتسبات عظيمة، وفي النهاية هذا كتاب استثنائي فريد يستحق الاقتناء والقراءة.
خاتمة: استشهد البليهي بصعوبة إزالة الأوهام، بمقولة الناقد الفكري الياس مرقص «يمكن إزالة جبال الهملايا بقنبلة ذرية، ولكن الأصعب هو، إزالة أوهام الناس وأفكارهم».