خالد بن حمد المالك
انتهاء المواجهات المسلحة في العراق، وخروج المناصرين والمنتمين للتيار الصدري، وتلك القوى المنتمية للإطار التنسيقي من مواقع اعتصامهما لا يعني أن أسباب التوتر قد زالت، وأن مرحلة من الهدوء والاستقرار وتقبُّل الوضع قد أصبح مقنعاً لكل الأطراف.
* *
فالوضع المتأزِّم في العراق ظل منذ عقدين من الزمان يراوح في مكانه، وكلما استجدت المشاكل كانت معالجتها تتم بالمسكنات، فما تلبث الصراعات أن تعود إلى الواجهة مرة أخرى، لأن أصل هذه الأزمات ظل كل هذه السنين دون إرادة حقيقية لإيجاد حلول لها.
* *
وأصل المشكلة بدأت بالنظام أو الدستور الذي اخترعه للعراقيين الحاكم الأمريكي في السنوات الأولى من الاحتلال الأمريكي للعراق، وكأن (برايمر) أراد بهذا النظام أن يكرِّس الطائفية والمذهبية والعرقية، ليجعل شعب العراق على هذا النحو من الخلافات والاقتتال الذي ما إن يهدأ حتى يعود من جديد.
* *
وكرَّس الحاكم الأمريكي هذه النوايا غير الودية لشعب العراق حين ربط العراق بإيران، وجعل من أغلب أحزابه التي تشكلت بعد سقوط نظام صدام حسين ذات انتماء وتبعية لإيران، في محاولة منه لإقصائه عن محيطه العربي، فضلاً عن أن توزيع الرئاسات الثلاث جعل رئيس الدولة للأكراد - وهو منصب أشبه بالشرفي -، ورئيس مجلس النواب للعراقيين السنة - وهي رئاسة محدودة الصلاحيات حيث القرارات لأصوات النواب -، بينما خص العراقيين الشيعة برئاسة مجلس الوزراء، وجعل من رئيس مجلس الوزراء قائدًا عامًا للجيش والأمن، ومسؤولاً تنفيذياً مطلق الصلاحيات في إدارة الدولة.
* *
الآن بدأ تصاعد عوار هذا النظام بالخلافات التي تعصف بين أصحاب المذهب الواحد، بين مقتضى الصدر الذي ينتمي لتياره شريحةٌ كبيرة من العراقيين الشيعة ويدعو إلى القضاء على الفساد والمفسدين، وينادي بعدم تبعية العراق لأي دولة خارجية - والمقصود هنا إيران -، وبين الإطار التنسيقي الذي يمثل مجموعة من الأحزاب ويقوده نوري المالكي الذي يريد أن يبقى الوضع على ما هو عليه، دون تغيير إلا بما يلبي مصالحهم ومصالح أحزابهم، وهو إطار يدين بالولاء لإيران.
* *
النار إذاً هي الآن تحت الرماد، والانسحاب من المنطقة الخضراء لا يعني أن الانسداد في العملية الإصلاحية قد تم معالجته، أو أن العراق سيكون على موعد قريب لتجاوز أزماته بحلول تكرِّس وحدة العراق وسلامة أراضيه، وفي المقابل إنهاء التوتر المتكرر، وصولاً إلى قبول الجميع بما قد يتم من محاولات للخروج من هذا النفق المظلم.
* *
وبالتأكيد المؤكد أن أي حزب أو تنظيم أو صاحب نفوذ ومشروع لن يهون عليه أن يتخلى عن مصالحه وقناعاته، أو أن يرضى بما يحجِّم من نفوذه، ومن دور حزبه في السيطرة على القرار في العراق، وفي الحد الأدنى فقد يقبل بأن يبقى طرفاً في أي تنظيم مقترح لمستقبل العراق، في ظل هذه التجاذبات التي حبس العراقيون أنفاسهم هذا الأسبوع، حين امتد إطلاق النار إلى كل المنطقة الخضراء، وقُتِل فيها من قُتِل، وأُصِيب من أُصِيب.
* *
العراق بحاجة إلى انتخابات نزيهة لبرلمانه القادم، وأن يتم تشكيل حكومة برئاسة مَن يتم الإجماع عليه، وأن يتم اختيار رئيس للبلاد، إذ إن بقاء البلاد بلا رئيس وبلا حكومة وبمجلس نواب معطَّل منذ ما يقارب من العام، يُظهر أننا أمام دولة معرَّضة للانتكاسات من حين لآخر، وأمام تحديات لن تنتهي ما لم تكن هناك إرادةٌ من الجميع في تقديم مصالح الدولة على المصالح الشخصية والحزبية.