فاطمة المتحمي
الكثير منا لا يعلم بأنه قد أسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تطوير الذكاء الاصطناعي دون علم وبشكل مجاني تماماً.
في أواخر التسعينات تم اختراع ما يعرف بـ CAPTCHA «اختبار تورنغ العام والأوتوماتيكي للتمييز بين الحاسب والإنسان» من قبل فريق ألتا فيستا - ياهوو للحد من الهجمات الإلكترونية على موقعهم. في البدايات كان الموقع يضع للمستخدم صورة تحتوي على عدة أحرف مشوهة تظهر أسفل نماذج التسجيل. يُطلب من المستخدمين كتابة الأحرف المتموجة لـ»إثبات» أنهم بشر. ولأن برامج الكمبيوتر لا تستطيع قراءة النصوص المشوهة كما يستطيع البشر فهي تعمل كحام ضد البرامج الآلية التي تحاول إساءة استخدام الخدمات عبر الإنترنت. نظرًا لفعاليتها كإجراء أمني، يتم استخدام CAPTCHA لحماية العديد من أنواع مواقع الويب، بما في ذلك البريد الإلكتروني المجاني، وبائعي التذاكر، والشبكات الاجتماعية، إلخ.
ونتيجة لذلك يقوم البشر في جميع أنحاء العالم بكتابة أكثر من 100 مليون كابتشا يومياً، وفي كل حالة يقضون بضع ثوانٍ في كتابة الكلمات والرموز المشوهة.
على الرغم من أن الكابتشا فعالة في منع إساءة استخدام الخدمات عبر الإنترنت على نطاق واسع، إلا أن العقلية والجهد الذي يبذله كل شخص في حلها لا تستطيع الحواسيب القيام بها لأن فك رموز الكابتشا يتطلب الذكاء البشري.
لذلك تم استخدام الكابتشا لرقمنة بعض الأرشيفات لصحف كبرى مثل النيوورك تايمز وكتب قوقل والتي كانت من الصعب على الحواسيب قراءتها. فتمت الاستعانة بالبشر وتجنيدهم لهذه الخدمة بشكل مجاني. وذلك للتكلفة العالية في حال تم توظيف البشر في رقمنة هذه النصوص. يتم حاليًا رقمنة الكتب المادية والنصوص الأخرى المكتوبة قبل عصر الكمبيوتر بشكل جماعي للحفاظ على المعرفة البشرية وجعل المعلومات في متناول العالم. يتم مسح الصفحات ضوئيًا ويتم تحويل الصور النقطية الناتجة إلى ملفات نصية عن طريق برامج التعرف الضوئي على الأحرف (OCR). يعد هذا التحول إلى نص مفيدًا لأنه يمكن فهرسة الكتب والبحث فيها وتخزينها بتنسيق يمكن تحليله ومعالجته بسهولة. ولأن إحدى العقبات في عملية الرقمنة تكمن في أن التعرف الضوئي على الحروف بعيد كل البعد عن الكمال في فك رموز الكلمات في الصور النقطية للنصوص الممسوحة ضوئيًا بالنسبة للمطبوعات القديمة ذات الحبر الباهت والصفحات المتغير لونها، لا يمكنه التعرف على حوالي 20 % من الكلمات. لذلك البشر أكثر دقة في نسخ مثل هذه المطبوعات.
ومع الاستخدام المستمر للكابتشا من قبل أكثر من 40 ألف موقع ويب تم رقمنة كم هائل من الأرشيفات والكتب دون دفع مبالغ وتوظيف بشري مباشر.
وبالنظر إلى ما تم تحقيقه والحصول عليه من خلال استخدام الكابتشا، قررت قوقل استخدام الصور (صور طرقات، شوارع، مباني، إلخ) كوسيلة تحقق. الهدف الرئيس هو المساهمة في تطوير قوقل ماب من خلال التعرف على الطرقات وأرقام المباني وغيرها لتحديد الموقع بشكل دقيق جداً.
وأخيراً بينما تستخدم الكابتشا في المقام الأول لأسباب أمنية، يمكنها أن تعمل أيضًا كمهمة مرجعية لتقنيات الذكاء الاصطناعي. وذلك إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على إكمال المهمة بدقة دون استغلال العيوب في تصميم كابتشا بشكل معين، فسيكون قد حل مشكلة تطوير ذكاء اصطناعي قادر على التعرف على الكائنات المعقدة من خلاله.
لذلك جميعنا كمستخدمين للإنترنت والمواقع الالكترونية شاركنا بشكل ما في تطوير الذكاء الاصطناعي.