عبدالوهاب الفايز
في السنوات الأخيرة، طوّرت المملكة منظومة واسعة من الإجراءات والأنظمة التي تسهل على العمالة غير الوطنية أمورها، وتشددت في حماية حقوق العمالة المنزلية بالذات، وبشكل عام أعطت العاملين حقوقًا واسعة في الحركة والتنقل، وقيدت حقوق الكفلاء حتى تتيح للعاملين حق اختيار كفيل جديد والتنقل بين أصحاب الأعمال. كما تشددت في دفع الأجور وجميع الحقوق المالية في وقتها. كما سهلت وسرعت للعمالة الوصول إلى القضاء. كل هذه التطورات الإيجابية نابعة من قناعة بلادنا وحرص قيادتها بضرورة صيانة الحقوق طبقًا لما تقضي به الشريعة الإسلامية وتماشيًا مع أخلاقنا وعاداتنا، وتماشيًا مع أنظمة العمل الدولية.
أيضًا، في إطار هذا التوجه وقبل سنوات، تدخلت وزارة العمل مباشرة في تنظيم عمليات استقدام العمالة الأجنبية من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية مع العديد من الدول تتضمن التزامات محددة على الحكومة السعودية، واضطرت لهذا رغم أنه يضعها في مسؤولية مباشرة لاستفسارات ومساءلات منظمات حقوق الإنسان الدولية عند أية اختلافات تجاه أوضاع بعض العمالة.
كذلك عملت وزارة الموارد البشرية على رفع كفاءة قطاع الاستقدام وركزت على تطوير (رحلة العميل) وحققت بهذا المسار تقدمًا إيجابيًّا أراح الناس من عناء الإجراءات الطويلة. فقد عملت الوزارة في السنوات الماضية على حماية حقوق المواطنين عبر إدخال تعديلات في الأنظمة لكي تقضي على التأخير والمماطلة من بعض مكاتب الاستقدام. كذلك عملت على تقديم الحوافز والتسهيلات التي يحتاجها المستثمرون في القطاع.
ولكن، كل هذا لم يحقق على أرض الواقع الانفراج الذي نتطلع إليه، بل أدى إلى ارتفاع كبير في تكاليف الاستقدام لكافة الشرائح. طبعًا هذا الوضع هو نتيجة لتلاعب الدول المصدرة للعمالة التي جعلت هذا الملف ورقة مصالح حزبية سياسية شعبوية غير مهتمة بمصالح شعوبها الذين يعانون من ارتفاع البطالة. وهذا أدى إلى إقحام الحكومة السعودية مباشرة في خضم عمليات سوق تجارية شائكة ليس من اختصاصها.
جهد الحكومة السعودية، ورغم كل ما بذلته لتطور متطلبات بيئة العمل، مع الأسف لم يجد التقدير من حكومات الدول المصدرة للقوى العاملة حيث مازالت تصر على توسيع المطالب حتى تعقد الظروف وتدفع بارتفاع التكاليف، وهذا يعني متابعة المباحثات والمفاوضات معها.
هذا التعطيل ينتج عنه ارتفاع تكاليف غير مبررة يتحملها طرفا العلاقة العامل وطالب العمل، والمستفيد الأكبر هي الجهات الوسيطة بين الطرفين.
الحكومة السعودية، عبر وزارة الموارد البشرية، ظلت تتعامل بحسن نية وصدق مع هذا الملف، وتحملت تلاعب بعض الحكومات وتسويفها وتأخيرها في تنفيذ الاتفاقيات، وهذا يضع المسؤولين الحكوميين السعوديين في موقف حرج أمام الناس. وغالبًا يتجنب هؤلاء المسؤولون كشف خفايا المفاوضات تقديرًا للمسؤولين في الدول الصديقة وصونًا للعلاقات الأخوية والودية.
لذلك فإن تحريك ملف الاستقدام وحل عقباته الأساسية لا يحتمل التأخير. فلدى أغلب الناس مازالت الحاجة للاستقدام ضرورية بالذات لدى المرأة العاملة ولدى العوائل التي لديها كبار للسن ممن يحتاجون العناية والخدمة المتواصلة. هؤلاء هم من يتحمل التكاليف المادية المتصاعدة الأخيرة نتيجة ضعف العرض. التكاليف العالية مرهقة لموارد الأسرة المحتاجة للعمالة المنزلية فهي تقتطع نسبة تصل إلى ثلث الدخل.. وهذا كثير جدًا! هذه الفئة تحتاج من يقدر ويقف مع احتياجاتها الملحة.
ملف الاستقدام ظل ولسنوات طويلة شأنًا تجاريًّا يتعامل معه القطاع الخاص عبر اللجان في الغرف التجارية وتقوده اللجنة الوطنية في مجلس الغرف حيث كانت تتولى المفاوضات وعقد الاتفاقيات مع الأطراف المقابلة أو مع الأجهزة الحكومية المعنية. هذا الملف تعقدت أموره منذ تدخل الوزارة وتحمل أعبائه.
القناعات الآن تتجمع لدى المختصين القريبين من هموم الاستقدام بضرورة توسيع دور اتحاد الغرف السعودية في ملف الاستقدام. هذا لا يعني ضعف دور الوزارة أو عجزها، بل هو تصحيح وتراجع عن اجتهاد سابق رأى الاستئثار بهذا الشأن، وكان هدفه التدخل لأجل تحقيق المصلحة العامة للدولة وللناس.
وضع الاستقدام معقد وتتداخل فيه أمور عديدة غير موضوعية أو مستقرة بالذات في الدول المصدرة للعمالة. فهناك أمور الاستقدام لا تتحكم فيها الحكومات بشكل كامل، فالقطاع يعتبر منجمًا للثراء السهل السريع، ويدار بالخفاء بين تحالفات خاصة وعامة. وهذا يفسر عدم الالتزام بالعديد من الاتفاقيات التي وقعت لأن المصالح الخاصة تفرض إرادتها، وبالتالي يتم تعطيل الاتفاقيات لمزاعم وأسباب واهية مثل سوء المعاملة أو عدم دفع الحقوق.. وغيرها من الأمور التي هدفها التعطيل ورفع سقف المطالبات.
التوصية بتفعيل دور اتحاد الغرف تسنده حقيقة هي أن الحكومات تضطر للتدخل في إدارة الشأن الاقتصادي إذا رأت فائدة للمصلحة العامة. ويتم التدخل بعد تحليل الإيجابيات والسلبيات وتقدير المخاطر. في قطاع الاستقدام لم يتحقق المطلوب.
التدخل الضروري يكون لأجل تحقيق الكفاءة في الأسواق، ورعاية المنافسة الإيجابية التي تؤدي إلى خفض الأسعار ورفع جودة الخدمات وتطويرها. وهذا ما نحتاجه في قطاع الاستقدام. وربما تبادر الحكومة إلى مراجعة وضع الشركات العاملة التي تم الترخيص لها حتى تساهم في تحقيق ما نتطلع إليه.
ملف الاستقدام أصبح يستنفد جهد الأجهزة الحكومية، بالذات وزارة الموارد، والتي نحتاج جهدها وتركيزها على الملفات الصعبة مثل: التوطين. ما يبذلونه من جهود في تسهيل الاستقدام يستحق الشكر والتقدير، وكان الله في عونهم.