م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - ارتبط اسم روسيا في ذاكرتنا المعاصرة باسم الاتحاد السوفييتي الذي يمثل القطب الثاني أمام الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عُظمى.. المجتمع الروسي لم يُخرج فلاسفة عظماء كالألمان، ولا مؤرخين كبار كالإنجليز، ولا أدباء كبار كالفرنسيين، ولا فنانين كبار كالإيطاليين، بل خرّج روائيين عظماء.. ولا غرو في ذلك، فالمجتمع الروسي من المجتمعات التي تعرضت إلى قمع بوليسي حكومي أباد منه عشرات الملايين منذ حكم عائلة «رومانوف» مرورًا بثورة لينين، ثم حكم ستالين، ذلك الرجل الذي أعدم من البشر أكثر مما أعدمه أي زعيم آخر بمن فيهم «هتلر».. لذلك فلا غرابة أن أعظم الروائيين هم من الروس، فقد كانت لديهم مادة ثرية من الدراما الإنسانية التي تعدت الخيال.
2- إذا كانت الثورة الفرنسية عام (1789م) قد صَدَّرت مصطلحات الحرية والمساواة وحقوق الإنسان فإن الثورة الروسية التي أسموها (البلشفية) - وتعني الأكثرية - بقيادة لينين عام (1919م) عَرَّفت العالم على احتكار الحزب الواحد بحكم مطلق، ورسمت الأنموذج الذي اقتفته معظم ثورات العالم التي أتت بعدها.. ولعل أشهرهم (موسوليني) في إيطاليا الذي أسس الحزب الفاشي عام (1924م) وأقام دكتاتورية عنيفة لم تعرفها إيطاليا في تاريخها.. وتبعه (هتلر) عام (1926م) الذي أقام الحزب النازي، وأطلق الحرب العالمية الثانية بكل مآسيها التي لا يزال العالم يعيشها إلى اليوم.. ولم يحصل هذا الاستقطاب والإعجاب بثورة (لينين) في إيطاليا وألمانيا فقط، بل إن معظم دول أوروبا وجدت من القيادات من أعجبها في ذلك النظام، وحاولت تطبيقه في بلدانها سواءً في بريطانيا أو فرنسا.. وكان من المعتاد في الثلاثينيات من القرن العشرين وجود أحزاب شيوعية أو فاشية ونازية في معظم دول أوروبا.
3- ازدهار الأحزاب الفاشية والنازية في دول أوروبا الكبرى كان في جزء منه خوفًا من الشيوعية.. فقضية الملكية الخاصة ورأس المال أمرٌ لا نزاع فيه في مجتمعات قامت فيها الثورة الصناعية كبريطانيا، والحرية والمساواة في فرنسا.. وكانت المجتمعات الأوروبية مجتمعات متمدنة، الانتخابات فيها قاعدة للوصول للقيادة.. واستطاع (هتلر) و(موسوليني) الوصول إلى الحكم من خلال ذات النظام، ومن خلال تأجيج المشاعر الوطنية والعنصرية تحديدًا.. فهتلر مثلًا كان يحث المواطن الألماني أن يفكر «بدمه لا بعقله»، وأن ألمانيا لم تُهزم في الحرب العالمية الأولى لضعفها، بل بسبب الخيانة.. وكانت العنصرية جاذبة للعموم، وهكذا وصل للحكم عن طريق الإرهاب وتعبئة البرلمانات والاستفتاءات المزيفة.. ثم بعد وصولهم سيطروا على الحكم بشكل كامل بدعم من الجيش والشرطة والبوليس السري والمنظمات العسكرية الحزبية التي قمعت صورة من صور المقاومة.. وهذا أدى إلى انهيار كل مؤسسات المجتمع المدني من نقابات ومنظمات.. وكذلك وصلت الكنيسة إلى أضعف حالاتها.. وأصبحت الدولة شمولية مغلقة ذات حكم الرجل الواحد.
4- نتيجة للسيطرة البوليسية وحكم الحزب الواحد انهار الاتحاد السوفييتي.. فقد وصلت به الحال في مطلع التسعينيات من القرن الماضي إلى أن يصفه رئيسه (جورباتشوف) بأنه باستثناء القوة العسكرية فالاتحاد السوفييتي بلد متخلف من بلدان العالم الثالث.. وتفكك الاتحاد السوفييتي.. واليوم انظر حولك، هل للروس أي حضور في العالم على المستوى العلمي أو الأدبي أو الفني أو الصناعي أو الاقتصادي؟ إنهم فعلًا كما وصفهم (جورباتشوف) دولة من دول العالم الثالث باستثناء القوة العسكرية.