إن المرأة هي مناط التكريم والتوقير عند الشعراء والأدباء على مر العصور والتاريخ، فهي محبوبة في الشعر العربي، يتعذب الشاعر من هجرها وصدها، ويحن إلى وصالها، ويفرح بلقائها، ليبوح أحساسيه ومشاعره، ثم يصفها بأجمل الأوصاف.
لقد حظيت المرأة في الشعر السعودي بحضور تختلف مستوياته، وتبارى الشعراء في رسم صورتها، حيث أصبحت المرأة السعودية محوراً من المحاور التي استخدموها للتعبير عن مختلف تجاربهم، وهي بذلك تشكل منطلقاً فكرياً، يصبون من خلالها هموهم الذاتية، ولواعج نفوسهم تجاه الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتجاه القضايا الإنسانية عامة.
وكما تبارى الشعراء في رسم صورة المرأة الجمالية من حيث جمالها ووصفها كأنها تمثال، تنافس الشعراء في نحته وتجميله، فهم بذلك يسعون إلى عرض الحقيقة، والنظر إلى الحياة بموضوعية، والبعد عن التعميمات، وتفسير الحياة ومواجهتها بشجاعة دون تهرب.
لقد أصبحت المرأة رمزا شعريا زاخرا بالدلالات وتنوعت صورة المرأة في الشعر السعودي، فقد ارتكزت على ركيزتين أساسيتين هما المرأة الروح وهو الغزل العذري، والثانية المرأة الجسد وهو الغزل الصريح، حيث ينطلق الشعراء من خلال هاتين الركيزتين لسبر أغوار المرأة، وبيان المنعطفات الروحية الحسية.
إن الشعر العذري يعد أكثر حضورا في الشعر السعودي، إذ يعود امتداد جذوره إلى العصر الجاهلي مرورا بالعصر الإسلامي والأموي وصولا إلى الرومانسية في العصر الحديث. واليوم يحاول الشاعر المعاصر أن يبرز مكانة المحبوبة وحياته بها وتعلقه بحبها وشغفه بها، وهو يحاول بذلك أن يستكشف عواطفها وأن يرتقي بحبه إلى مرتبة صوفية ملائكية.
وقد حفلت صورة المرأة في الشعر السعودي بصورة متعددة، منها الأم حضن الشاعر الأول، والبنت مرآة أبيها والزوجة الحبيبة، ونظراً لما يتمتع به المجتمع السعودي من علاقات أسرية فقد افسح الشعراء السعوديون للأم مساحات عريضة في نتاجهم، يبوحون بمشاعرهم في حياتها وبعد مماتها، ما يكنون لها من عواطف قوية.
أما البنت، فقد حضرت عند الشعراء السعوديين نظراً لقوة الروابط الاجتماعية، وإذا لم تحضر نصا شعريا فقد حضرت من خلال الإهداء سواء للدواوين أو في مقدمات القصائد، ينطلق الشاعر السعودي إلى وصف تلك الطفلة ويرسم فيه الغم والهم الذي أصاب ابنته جراء اعتداء أخيها على لعبتها، ويصور لنا تصويراً حياً عن أحوالها، وهو يتفاعل مع ابنته بروح مرحة خفيفة، تتدفق فيها شعور الأبوة الحانية التي تفيض بالود والرقة.
وقد يقل الحديث عن الزوجة الحبيبة في الشعر السعودي المعاصر، فهي لا تحضر بصورة إلا بعد وفاتها، وهذا لا يعني بأن الشعر السعودي يخلو تماما من القصائد في الزوجة، بل يتحرج الشاعر السعودي من كشف مشاعره الخاصة التي يكنها للزوجة علانية.
ويمزج الشعراء السعوديون صورة المرأة بالطبيعة، فالشاعر يجعل من الطبيعة أداة للتعبير عن حبه، فحبه للطبيعة وشغفه لفنونها، لم يكن نابعا من ذاتها بل يكشف صورة المرأة السعودية بأكثر وضوح. ولم يغفل الشعراء في المملكة العربية السعودية عند استخدام الرمزية للمرأة في الشعر كما نجد في شعر غازي القصيبي، وهو يصور المرأة في صورة أسطورية، يستكشف في ملامحها ذلك الأمل الذي يصبو إليه، فالمرأة هي التي تبعث النور في قلبه، وهي التي تنير طريقه المظلم بعد أن عاد خائباً من رحلاته التي قضاها بين الصحراء والواحة والبحر والمدينة.
تغدو المرأة في هذه الصورة المثل الأعلى الذي يحقق المتعة الروحية، فترضى النفس وتستقر العاطفة، لأنها تصبح رمزاً للخلاص والسعادة، وطريقاً للتخلص من كل الآلام، لذلك تبوأت المرأة المكانة العالية في الشعر السعودي، وأضحت رمزاً للإنسانية تقوم على الصفاء والمودة والحب، فكل من يتأمل في صورة المرأة الحبيبة في الشعر السعودي يجدها في أغلبها صورها تعادل الحب العذري، إن تحضر المرأة في صورة فتاة عفيفة يتمنى الشاعر وصالها ويعتبرها داءه ودواءه.