مها محمد الشريف
ما زال التصور الجديد للعالم يعتبر الأرجح للواقع، وطريقة التفكير أثارت حماس التوقعات لدى الكتاب والمحللين السياسيين والخبراء، ولكن الأحداث أظهرت نبوغاً كبيراً سلبت الكثير من التركيز، وأصبح العالم يصل إلى كل الأماكن افتراضياً عبر تكنولوجيا الاتصالات الحديثة يبحث عن القوى العظمى وأهدافها وتداعيات حروبها، فهناك المزيد من الاهتزازات، وكل شيء يشير إلى مجرد تعديل لبنية العالم.
وفي هذه الأثناء تغير الواقع ولعبت السياسة دوراً مهماً تركت أثاراً هائلة للعالم أجمع، ومن منطلق هذا التغيير موسكو لم تعد مشاركًا، بل فاعلاً رئيسًا في السياسة الدولية، ورقماً صعباً في المعادلات المعقدة، وغالبًا ما يكون الرقم الصعب هو الطرف الأقوى في أية معادلة، وهذا يأخذنا إلى أنه مهما فعل فإن الارتباط وثيق بينه وبين احتمالين، إما أن تثبت روسيا نفسها كأحد القوى المهمة ولاعب رئيسي، وأما أنها تنتهي بهزيمة وممكن أن تتفكك أيضاً، وتتبدل المغامرة بمقامرة، فعنصر القوة عندها السلاح النووي وهذا يصعب استخدامه.
روسيا تقوم بمغامرة خطيرة، وتأثير العقوبات كبير جدًا فقد انكمش اقتصادها أربعة بالمئة، وارتفع التضخم وتعطلت مصالحها، ما فعله فلاديمير بوتن على الخارطة السياسية والعلاقات الدولية يؤكد دوره في جميع الملفات الساخنة في العالم، وله دور متقدم ومسألة أكثر أهمية وتعقيداً، ويعني أن إستراتيجية موسكو قائمة على نحو أفضل من الناحية الإقليمية إلى روسيا باعتبارها صاحبة نفوذ متزايد وتعاملت بيقين التواصل وفقًا لمقياس التبادل وسعت للحصول على دعمها، فالتجارة الروسية مع المنطقة في تزايد، ومقعد موسكو يتصدر القائمة الدولية ولها مجالات متعددة الأطراف حول القضايا الإقليمية، وقد تبدو مقاربة روسيا للشرق الأوسط إستراتيجية مهمة فأصبحت أساساً لنجاح العلاقات السياسية والاقتصادية.
وفي تفسيرات أكثر عمقاً لهذه الأهمية قيل «إن شراكات روسيا المتعددة تقدم منافع قصيرة المدى ولكنها محفوفة بمخاطر طويلة المدى»، واليوم تتجرع أوروبا هذه المخاطر بعد تفاقم الأزمة ووقف تدفق الغاز الروسي عبر خط أنابيب «نورد ستريم 1» إلى أوروبا، واليورو في أدنى مستوياته وسط الغموض الاقتصادي الأوروبي، وحمل الكرملين الساسة الأوروبيين مسؤولية الإبقاء على خط أنابيب الغاز الرئيسي مغلقاً، قائلاً إن عقوباتهم الاقتصادية أعاقت صيانة خط الأنابيب.
وحث صندوق النقد الدولي على التعامل مع الكُلفة المتزايدة التي ارتفعت 40 في المئة في منطقة اليورو، و57 في المئة بالمملكة المتحدة، بأنه يجب أن تنتقل إلى المستهلكين، لتشجيعهم على توفير الطاقة، والتحول إلى الطاقة الأكثر مراعاة للبيئة، وهكذا بدأت الوسائل أكثر تعقيداً لفهم هذا الواقع الاقتصادي الذي شارك فيه الغرب وتجاوز كل التوقعات.
وهذه هي القوى عندما تتواجه، وهذا يعني ضمنياً أنه من الصعب عودة المياه إلى مجاريها بسهولة، فمجموعة الأحداث الماضية والمستقبلية كلها تنطوي على عواقب جسيمة، وخاصة الإجراءات الحالية تخبر بعصر جديد تشكل من أصل المشكلة، التي جعلت القوة تجذب الأشياء البعيدة.
ومن الواضح في هذه المرحلة الكل يبحث عن التغيير الملائم لاقتصاده وسياسته، فالآراء متباينة، وطرق التفكير مختلفة ربما سيصححها غدًا فهم العالم ليكف عن التساؤل والتنبؤ، ففي معظم المواقف يكون الوضع الحاضر وضعًا مختلفًا وخاصة في أوروبا بعد أن تأسس عليه حد أقصى للأسعار في فرنسا وإسبانيا والبرتغال، وتخفيضات ضرائب الكهرباء في ألمانيا وهولندا، ودعم الطاقة في إيطاليا واليونان، وبدلات الطاقة في ألمانيا، وضريبة مكاسب مفاجئة على شركات بحر الشمال في المملكة المتحدة.
ولهذا السبب تتصادم العقوبات والاحتياجات مما جعل التشكيك يسبب إزعاجاً عند شعوب وحكومات الدول الأوروبية، ومن منطلق الخوف تنفرد كل دولة بحقيقة خاصة مختلفة عن حقيقة الآخرين، فهناك مؤيد ومعارض لكل هذه النتائج الوخيمة التي أصابت بلدانهم في المقام الأول، فالواقع هنا ليس كما يبدو.