الهادي التليلي
رحيل اليزاباث الثانية الذي كان تاريخه 8 سبتمبر المنقضي عن سن تناهز 96 عاماً لم يكن بالحدث العابر، إنه حدث فارق في تاريخ المملكة المتحدة والعالم، فاليزاباث الكسندرا ماري كانت الصخرة الصماء التي تكسرت عليها هموم الحكومات المتعاقبة والأزمات التي مرت بها المملكة المتحدة والعالم، بل كانت القوة السحرية التي أذابت جليد عديد الأزمات الديبلوماسية التي كانت ستشق التحالفات الإقليمية ولعل من بينها الخلافات مع فرنسا وغيرها.
اليزاباث الثانية التي لم تكن تتوفر على نفوذ سياسي دولي فقط لكونها كانت الملكة الدستورية لأربع عشرة دولة من مجموع ثلاث وخمسين من دول الكمنولث، بل كان لها أيضاً نفوذ ديني من خلال ترؤسها للكنيسة الإنجليكانية وهو مهم جداً في وحدة البريطانيين ودول الكمنوالث وهي دول في الحقيقة كلها كانت أقاليم لما يُسمى بالإمبراطورية البريطانية وتاريخياً ترسخ كيان الكمنوالث بعد تشريع ويستمنستر لسنة 1931 وتجسد في شكله الحالي على أثر إعلان لندن 1946 ليتطور إلى مؤسسة إقليمية ترسخت مبادئها عقب إعلان سنغافورة سنة 1971 والذي تعمق بإعلان هراري الذي أكمل حلقة الكيان بتحديد القيم الإنسانية التي ينبني عليها الكمنوالث.
اليزاباث الثانية كانت فعلاً الصخرة الصماء التي حافظت على ما تبقى من دول الكمنوالث تحت راية العرش البريطاني على الرغم من أن السيرورة التاريخية لم تعد تتقبل في منطقها وقيمها بقاء دول تحت رئاسة دول أخرى إلا أن الثقل الذي تمثّله اليزاباث الثانية ومكانتها في قلوب كل الأنجلوسكسونيين جعل ما تبقى من عقد دول الكمنوالث ما زال قائماً بـ 14دولة والتي هي بالإضافة إلى كندا وأستراليا ونيوزيلاندا ما يُسمى بعوالم الكمنوالث والتي من بينها جامايكا وانتيجوا وباربودا وجزر الباهاما وبليز وغرينادا وبابواغينيا وسنت فنيست وجزر غرينادين وجزر سليمان وغيرها.
لهذا وغيره فإن رحيل الملكة المهيبة اليزاباث الثانية سيكون تأثيره عميقاً على المشهد البريطاني، ويتوقّع العارفون أنه قد يكون مؤثراً أكثر على ما يُسمى بلدان الكمنوالث المتبقية تحت التاج البريطاني وبخاصة البلدان ذات النمو الاقتصادي المطرد ونعني بها الثالوث كندا وأستراليا ونيوزيلاندا.
ويعود تخوف العارفين بالشأن البريطاني إلى كون الثقل الذي أبقى على مجموعة الكمنوالث تحت راية المملكة المتحدة من بين أسسه وجود الملكة اليزاباث الثانية التي حكمت العرش البريطاني 69 عاماً، أي ما يناهز سبعة عقود حتى أنها صارت بمثابة الأم الروحية لهم والدليل هالة الحزن العالمية التي رافقت رحيل زوجها فيليب في سنة 2021 وما رافق رحيلها من حزن عالمي عميق جعل حتى المتقاطعين مع التاج البريطاني مثل روسيا عبروا عن ألمهم وحزنهم لرحيلها كل هذا يجعل من مهمة الملك الوريث تشارلز الثالث أمام تحد كبير جداً خاصة أن العالم تتنازعه حرب أوروبية ونعني بذلك الحرب الروسية الأوكرانية وما زال لم يخرج بعد من آثار جائحة كورونا بعد تفتت حبل سرة التعالق مع الكيان الأوروبي بعد نجاح التيار القومي في ذلك والذي من أهدافه تحويل المملكة إلى جمهورية وهو ما يعني تفتت العقد الكمنوالثي في شكله الحالي.