عمر إبراهيم الرشيد
مع رحيل أطول ملوك بريطانيا جلوساً على العرش، الملكة اليزابيث الثانية يوم الخميس الفائت تدخل بريطانيا مرحلة جديدة في تاريخها المعاصر. ذلك أن معظم الشعب البريطاني تقريباً ولدوا وهي ملكة، والآن قد تسلم دستورياً الأمير تشارلز العرش ليكون ملك بريطانيا، والتي لا تنفك هذه الدولة وأسرتها المالكة عن تقاليدها الراسخة عبر قرون من الزمن. ولعل العالم يتساءل عن الملك تشارلز الثالث وهل سيكون له تأثير مباشر أو غير مباشر على الحياة السياسية في بريطانيا، وخصوصاً أنه لن يكون نسخة عن والدته بطبيعة الحال، وكذلك بالنظر إلى التقلبات في السياسات البريطانية على مستوى رئاسة الوزراء والحزبين الرئيسيين خلال السنوات الخمس الأخيرة وندرة الشخصية المؤثرة، كل هذه القضايا وغيرها، هل ستدفع بالملك تشارلز للتدخل ولو من بعيد لإحداث توازن في الأداء السياسي والإداري لحكومة بلاده؟
أم أن هذه مساوئ الديمقراطية التي قال عنها ونستون تشرشل إنها أسوأ أشكال الحكم، بينما الانجليز ومعهم الغرب أدمنوها ووقعوا في بئرها السحيق ولم يعودوا قادرين على الخروج منها. كل هذه تساؤلات وهواجس تدور في الأذهان والدهر علمنا أن لا شيء يدوم على حاله مهما طال به الزمن.
والأمر المؤكد أن الملكة الراحلة والأسرة الحاكمة يعتبرها الإنجليز رمز وحدة مملكتهم وتحظى بتقديرهم وحبهم، لأنها امتداد لإرث تاريخي ووطني عريق يفخرون به. ومعروف أن رئيس الوزراء يجتمع كل يوم أربعاء مع الملك (تشارلز) لاطلاعه على شئون الحكومة، ويتم دعوة رئيس الوزراء المعين إلى قصر بكنجهام لتشكيل الحكومة، وغيرها من المهام الملكية غير السياسية، أو هي بروتوكول بدون تدخلات في عمل الحكومة. وما يثير الإعجاب أن تقاليد بريطانية متوارثة على مستوى القصر الملكي ما زالت راسخة على مدى قرون، ومنها مراسم إعلان وفاة الملكة التي تبدأ بتعليق صحيفة عليها نبأ الوفاة على سور القصر قبل بثه في التلفاز والقنوات الأخرى والوسائل الرقمية!
بريطانيا مقبلة على خريف غامض، ومع أنها شهدت هذا العام جفافاً لم تشهده منذ خمسة قرون، إلا أن الانجليز يفرحون بالشمس ويتوجسون من الغيوم.
الأيام والأشهر القادمة ثقيلة بالأحداث ثقل السحاب بالماء، وإن غداً لناظره قريب.. طابت أوقاتكم وإلى اللقاء.