د. محمد بن صقر
هل ما نشاهده من تفاعل وحوارات ونقاشات في كثير من القضايا التي تطرح في وسائل التواصل الاجتماعي يعتبر رأيًا عامًّا أو وعيًا عامًّا أو حديثًا عامًّا؟ هذه المسألة وإن أرادت بعض الوسائل الإعلامية أن تجعل بعض قضاياها ومواضيعها مادة إعلامية ومحتوى للفت جماهيرها على أساس أنها قضية رأي عام ففي اعتقادي أنها لا تخرج من حدودية كونها حديثًا عامًّا في مجالس ودواوين وسائل التواصل الاجتماعي. إذن ما الرأي العام وما هو الوعي وما هو الحديث العام وما الذي لابد أن ننظر فيه على أساس أنه يعبر عن ما يدور في أذهان الجماهير ويحرك شعورهم وقد يحرك سلوكهم؟
هذه المسألة تعتبر من المسائل الشائكة والمعقدة في تكوينها ومبرراتها ونتائجها, والسبب في ذلك أن الرأي العام قد يكون مبنيًّا على الوعي وقدي يكون مبنيًّا على الأوهام أو التضليل, و بما أن الرأي العام هو وجهة نظر الغالبية من الناس، ووصف حالتهم التعبيرية والفكرية والاجتماعية في شكل كلام مسموع أو مكتوب أو تصرف جمعي، أو قرار مجتمعي شامل، وهو أيضاً ذلك الرأي الجماهيري الذي يصدر عن أكبر شريحة ممكنة من الناس تستطيع التعبير عن صوتها ونفسها في ضوء معطيات عديدة. ويستخدم بعض الأدوات التي تؤثر عليه مثل الكلمات - والصور- الشعارات - والأوهام- والتجربة- والعقل، ففي دراسات كثيرة حول مخيلة الجماهير رأينا أنها تتأثر بالصور بشكل خاص والكلمات. فهي تبهرها فعلاً. وإذا لم نكن نمتلك الصور فإنه من الممكن أن تثيرها في مخيلة الجماهير عن طريق الاستخدام الذكي للكلمات والعبارات المناسبة. ولعل مقولات أصبحت خالدة في عقلية الجماهير ورمزًا لأي تجمع حول قضايا مجتمعية أو اقتصادية أو عالمية، ومن أشهر هذه الشخصيات شخصية -مارتن لوثر- ومقولاته I have a dream (أنا لدي حلم)، إن قوة الكلمات مرتبطة بالصور التي تثيرها، وهي مستقلة تمامًا عن معانيها الحقيقية. والكلمات التي يصعب تحديد معانيها بشكل دقيق هي التي تمتلك أحيانًا أكبر قدرة على التأثير والفعل، ولعل بالمثال يتضح المقال، فمنها الكلمات التالية: ديمقراطية، حرية، مساواة، إلخ.. فمعانيها من الغموض والضبابية والفوضى المتعمدة في المعاني بحيث إننا نحتاج إلى مجلدات ضخمة لشرحها. لاختلاف معانيها واستخدامها والبيئة التي نشأت فيها، ومع ذلك فإن حروفها تمتلك قوة سحرية بالفعل، كما لو كان الدواء لكل داء في عقلية الجماهير، فهي تجمع الطموحات وتثير الغرائز المرتبطة بالإمكانيات اللاواقعية المتنوعة وتركبها، وتحتوي على الأمل في تحقيقها, هذا الأمر يقودنا لمفهوم الوعي العام فهل كل ما يتم طرحه من عبارات أو كلمات رنانة وقضايا وصور غير مكتملة الحقيقة يعتبر وعيًا عامًّا أم مجرد أن الجماهير أصبحت ضحية للتضليل بسبب عدم الوعي والجهل وأصبحت أداة لتسريع انتشار هذه القضايا باعتبارها رأيًا عامًّا في هذه المسألة تحدث الكاتب الأميركي البارع فرانك كلارك حول الجهل وأصحابه حين قال «إن السبب في انتشار الجهل أن من يملكونه متحمسون جدًا لنشره». فعندما نتابع وسائل التواصل الاجتماعي بجميع أدواتها نجد أن مينشط في التسويق والترويج للأفكار السطحية والإشاعات باعتبارها رأيًا عامًّا أناس متحمسون لنشر تفاهاتهم وسطحيتهم وسذاجتهم وترهاتهم ويمكن وصف هذه الحالة التي يمرون بها كما ذكرها الكاتب والمفكر العراقي علي الوردي «كلما ازداد الإنسان غباوة ازداد يقينًا بأنه أفضل من غيره في كل شيء إذن لابد أن نفرق بين الرأي العام المبني عن وعي حقيقي لقضية معينة وأمر يشترك الناس في فهمه وإدراكه والرأي العام المبني على قضايا مشوهة وتفسيرات المراد منها إلهاء الجماهير وتشتيت انتباههم وهندسة عقولهم, والحديث العام فإن أكثر ما يطرح في وسائل التواصل الاجتماعي يكون في أغلبه أشبه بحديث مجالس تتفاعل الناس معه بآرائهم التي امتزجت بنوع من الجوانب العاطفية في حكمها وتعبيراتها لأنها لا تحاول أو تستهدف تغيير رأي عام حول قضايا معينة فلا نستطيع أن نقول إنها رأي عام سواء اعتمد على وعي أو غير ذلك وإنما حديث عام في دواوين ومجالس وسائل التواصل الاجتماعي.