العلاقة بين الصقر والإنسان العربي وثيقة وقديمة، وتأخذ شكلاً من أشكال التراث العريق، فالصقر في المنطقة العربية هو رمز الشجاعة والشموخ والقوة والجمال، ومثلما تم اتخاذ الصقر شعارًا للكثير من الدول فقد اتخذه الكثير من العرب اسمًا لهم وتغنوا به في أشعارهم ومناسباتهم حتى قيل: مطية العربي «الخيل» وأديمه «الصحراء» وشجرته «النخيل» وطائره «الصقر».
الصقر لغة
الصقر- بتسكين القاف- طائر من الجوارح من فصيلة الصقريات النهارية فليس بين هذه الفصيلة أية أصناف ليلية رغم أن بعضها يبدأ نشاط يومه مع الخيوط الأولى لضوء الفجر حتى ولو حجبها الضباب. تسميه العرب (الحُرّ) و(الأكدر) و(الأجدل)، جمعه صقور وأصقر وصقورة وصقار وصقارة، والأنثى صقرة، وكنيته أبو شجاع وأبو الإصبع وأبو الحمراء وأبو عمرو وأبو عمران وأبو عوان.
والصقر من الجوارح بمنزلة البغال من الدواب لأنه أصبر على الشدة وأحمل لغليظ الغذاء والأذى وأحسن ألفاً ومزاجه أبرد من البازي، فهو أهدأ منه نفسًا وأسرع أنسًا بالناس، وأكثر رضا وقناعة، جرئ على مهاجمة جليل الطيور كالكركي والحُبرج وغيرهما، ويضرّي على الأرنب والغزال وغيرهما. ويستحب في الصقر أن يكون أحمر اللون، واسع العينين، تام المنسر، طويل العنق، رحب الصدر، طويل الجناحين، قصير الذنب، أسود اللسان، غليظ الأصابع. والصقر يتغذى بلحوم ذوات الأربع ولبرد مزاجه لا يشرب الماء ولو أقام دهرًا ولذلك يوصف بالبخر ونتن الفم، ومن صفاته أنه لا يأوي إلى الأشجار ولا رؤوس الجبال إنما يسكن المغارات والكهوف وصدوع الجبال.
والصقر اسم شائع لأحد أنواع الطيور الجارحة من عائلة (الصقريات) إلا أن المراجع العلمية اختلفت في عدد أنواعه. ففي حين يذكر (كتاب الطيور) من مطبوعات دار نشر لايف بلندن. أن عدد عائلة الصقريات هي خمس (النسر والصقر والحدأة والبومة والعقاب) وعدد أنواعها 274 نوعاً، نجد أن (دائرة المعارف العالمية) تقول إن عددها ستون فقط.
أما العرب فقد اختلف علماء الصيد لديهم في عدد الجوارح وأسمائها، فقد عمد (كشاجم) في كتابه (المصايد والمطارد) إلى تقسيمها إلى فصائل لكل منها أنواعها. وأجملها جميعاً في ثلاثة عشر جارحاً.
فقال: الجوارح أربعة أنواع هي: البزاة، الشواهين، الصقور، العقاب.
1- البزاة: وهي خمسة أصناف: الباز، القيمي، الزرق، الباشق، البيدق.
2- الشواهين وهي ثلاثة: الشاهين، الأنيقي، القطامي.
3- الصقور ثلاثة هي: الصقر، الكونج، اليؤيؤ.
4- العقاب: صنف واحد.
ثم أضاف إلى هذه الأنواع الأربعة (الزمج) فصارت جملة الجوارح عنده ثلاثة عشر جارحاً.
* أما أهم نوعين من أنواع الطيور الجارحة الكاسرة الصيادة فهي:
الباز
البازي بتخفيف الياء وتشديدها: له عائلة كبيرة هي: «الباز، القيمي، الزرق، الباشق، البيدق».
الصقر
ورد في كتاب (المصايد والمطارد) لمؤلفه (كشاجم) أن الشاهين والزرق واليؤيؤ والباشق كلها صقور، وهذا يدل على أن العرب إضافة إلى الصقر المعروف يسمون كل طائر جارح صقراً ما خلا النسر والعقاب. فالبازي صقر والشاهين صقر. (الشاهين كلمة من معانيها: الميزان، فهو كالميزان لا يحمل أيسر حال من الجوع ولا أيس حال من الشبع. والشاهين عدو الحمام، وإذا رآه الحمام يعتريه ما يعتري الشاة من الذئب، والشواهين أسرع الجوارح، وأخفها، وأحسنها إقبالاً وإدباراً وأشدها ضراوة علي الصيد. ويقال إنه من جنس الصقر ولكنه أبرد منه وأيبس، ولهذا يكون انقضاضه على الفريسة عنيفاً شديداً).
ويُخرج العرب النسر والعقاب من الجوارح لأن النسر (يجتمع على الجيف وباقي مصايد الحيوانات) والعُقاب (يصعب ترويضه للصيد، لأنها ملكة الطير، والسيدة المطاعة، والقوية المستبدة، تكني بأم الهيثم، وهي بين الطيور كالأسد بين الحيوانات، وليس في الطير أعظم حجماً منها إلا النسر، ولكنه لا ينافسها في السيادة على مملكة الطير، فهو ليس من الجوارح بل يتغذى على الحيوانات الميتة أو الفرائس بعد أن تغادرها الجوارح. والعقاب خفيفة الجناح، سريعة الطيران، وبهذه السرعة الهائلة تستطيع قطع مسافات طويلة، حتى قيل: «إنها تتغذي بالعراق وتتعشى باليمن»، ومن مظاهر سيادة العقاب على مملكة الطير أنها لا تعاني الصيد، أي لا تكلّف نفسها مشقة الصيد، وعناء البحث عن الفريسة، بل تتربص بالجوارح الأخرى كالصقور وغيرها فإذا رأتها صادت شيئاً هاجمتها فتترك الجوارح صيدها للعقاب لتنجو بنفسها. وإذا لم تتيسر للعقاب مثل هذه الفرصة، فإنها تبحث عن فريستها بنفسها، وحين تجدها تنقض عليها من الجو بسرعة هائلة، وسرعان ما تحسم المعركة، إن كان هناك معركة، لصالح العقاب بفضل مخالبها الطويلة الحادة المدببة، ومنسرها الغليظ الملتوي الذي ينتهي بنتوء أو صنارة حادة مدببة. وبعد ذلك، تنقل العقاب فريستها من موضع إلى آخر حتى تبلغ مكاناً آمناً لتهنأ بوجبتها الشهية، فهي لا تتغذى على فريستها في مكان صيدها. ومن المعروف عن العقاب أن بصره حديد. ولذلك قالت العرب «أبصر من عقاب». وقد أدركت العرب أن للعقبان والنسور عمراً طويلاً، ومن الأقوال الشعبية الموروثة عند الدعاء لشخص بطول العمر أن يقال له: «تعيش عمر النسور»، وتؤكد معلوماتنا الحديثة أن بعض العقبان والنسور تبلغ مائة عام من العمر).
لماذا الصقر
من المعلوم أن كل أنواع الجوارح (النسر والصقر والحدأة والبومة والعقاب) تشترك في عدد من الصفات والميزات المشتركة الفسيولوجية والبيولوجية وربما في العادات الغذائية- إلى حد ما- إلاّ أن الصقر يختلف جذريًا عنهم في عدد من الصفات جعلته المرشح الوحيد لرياضة الصيد بالصقور الأثيرة لدى العرب وهذه الصفات هي:
- أنه لا يأكل الجيف مهما طال به الجوع. الأمر الذي يخلع عليه وصفاً بالنبل والسمو.
- إن غذاءه من صيد يده، وليس تطفلاً على صيد غيره مما يرفعه فوق أقرانه من الصقريات درجة.
- إنه الوحيد من بين الصقريات في سرعة ألفته للإنسان واعتياده على مصاحبته وسماع أوامره وطاعة توجيهاته، مما يجعله على درجة من الذكاء وحسن الاستجابة قريباً من منزلة كلب الصيد.
- إنه في مصاحبته للإنسان يجد حلاً للمعادلة الصعبة التي يكون طرفاها المتناقضان اتصافه بالوداعة والألفة في مصاحبة الإنسان، في الوقت نفسه الذي يحتفظ فيه بشراسته البرية عند قيامه بالقنص. ولربما كان الصقر في ذلك من بين أندر الحيوانات والطيور قدرة على الموازنة بين قطبي الاستئناس والتوحش.
صفات الصقر الجيد
الصقر طائر حاد الذكاء، يتمتع بقدرة عجيبة على معرفة اسمه وتمييز صوت صاحبه.
يقول (كشاجم): «إن المختار من الصقور هو ما كان أحمر اللون، عظيم الهامة، دامع العين، تام المنسر، طويل العنق، رحب الصدر، ممتلئ الزور، عريض الوسط، جليل الفخذين، قصير الساقين، سبط الكف، قريب العقدة من الفقار، طويل الجناحين، قصير الذنب، غليظ الأصابع، أسود اللسان».
ألوان الصقر
تعد فصيلة ولون الصقر من أهم ما يميزه، حيث يدخل في تقيمه لدى الصقارين.
فمن أثمن الطيور سعراً حسب اللون
- الحر الأبيض (اللون الأبيض الخالص يأتي في قمة التقييم لندرته، فهو يعيش في المناطق شديدة البرودة ولا يهاجر موطنه أوروبا، استجلب إلى المنطقة العربية في الآونة الخيرة، يتميز بالنبل والجرأة وسرعة الانقضاض وكبر الحجم).
-(الحر الأشقر) وهما- الأبيض والأشقر- من أكثر السلالات تفضيلاً لدى الصقارين العرب لما يتمتع به هذان النوعان من الكفاءة والبراعة في القنص، وأيضاً لجمال وحسن منظرهما، ومن صفاتهما: حدة النظرة وطول الرقبة وكبر اليد ومتنانة عظمها وخفة الريش الذي يميل إلى الدقة والحجم المتوسط.
ثم تعقبهما باقي الألوان كالأسود وتدرجاته، والألوان المشتقة من الأبيض والأسود، كما توجد أنواع تحمل لونين، وتأتي بعضها منقطة بالكامل أو يكون الرأس والعنق والصدر بلون واحد، وهناك الصقور السود تمامًا (تتميز بالهيبة في المنظر)، وكذلك المائلة للون البني الغامق أو الفاتح. إضافة إلى أنواع تتميز أجسامها بوجود خطوط أو نمش.
- الأشهل (سمي بهذا الاسم لأن لونه يلمع عندما تسقط عليه أشعة شمس الصباح، وهو ما دون الأبيض وفوق الأحمر وفي ريشه لمعان، ويوجد في مقدمة وجهه بياض وليس ضرورياً أن يشمل البياض كل رأسه) هو الصقر ذو اللون الأغمق من اللون الأحمر قليلاً.
- الأدهم (يطلق على الصقور ذوات اللون القريب من السواد كالرمادي والبني الغامق، ويتميز هذا النوع بسرعته في الطيران واستئناسه السريع) فيكون أغمق من الأشهل وأفتح من الأسود، وتحديداً في منطقة الظهر والرأس والصدر.
- الذهبي (يسمى أيضاً التبري لأن لونه يشبه تبر الذهب) فهو صقر نادر جدًا ويأتي رأسه أحمر اللون بينما يكون ظهره ذا لون ذهبي لامع.
- الأصفر والأخضر وهو قليل ونادر.
تدريب الصقور
حينما يوقع الصيادون بأحد الصقور الضخمة الثمينة، فإنه لا تتوافر لديهم سوى مهلة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع لتدريبه قبل موسم هجرة الحبارى وبداية وصولها. وتتم تغطية عيني الصقر بتمرير شعرة من ذيل حصان عبر الجفن الأسفل وجذبهما معاً وربطهما في عقدة في أعلى الرأس، ويتم إغلاق عيني الصقر مؤقتاً وتظلان هكذا لأيام عدة يلازم خلالها الصياد صقره على مدار الساعة، ويحمله معه ويناديه باسمه الذي اختاره له، والغرض من ذلك هو تهدئه الطائر المتوحش وتدريبه على الجلوس فوق قفار الصياد الذي يطلق عليه اسم المنقلة وتعوده على معرفة وتمييز صوت مدربه، وتتم إزالة الشعرة بعد حوالي ثلاثة أيام، فيكون أول شيء يراه الصقر هو الرجل الذي كان يسمع صوته وبدأ يثق فيه خلال فترة العمى المؤقت، ويقوم الصياد بإطعام الصقر بيده، وهكذا تتوطد الثقة بينهما وبعد فترة وجيزة يطلق الطائر من المنقلة ليحلق لأمتار عدة لالتقاط طعام يقدم له وهو لا يزال مربوطاً بخيط إلى قفاز مدربه، ثم تزداد مسافة الطيران تدريجياً حتى يجيء الوقت الذي يترك فيه الصقر للطيران بحرية، ثم يبدأ المدرب في تقديم الإغراءات للصقر وهي مصنوعة من جناحي طائر الحبارى احتفظ بهما الصياد من العام الماضي وذلك لتعويده على الفريسة التي يرغب الصياد في اصطيادها.
طرق الصيد بالصقور
تختلف طريقة الصيد بالنسبة للصقور التي تطير في مستوى مرتفع عن غيرها, حيث يحلق الصقر على ارتفاع كبير في الهواء في انتظار فريسته فإذا رآها انطلق وراءها وانقضَّ عليها بسرعة مذهلة تكاد تصل إلى 275 كيلومتراً في الساعة. في حين يحط الصقر الذي يطير في مستوى منخفض على جذع شجرة ويتفحص المنطقة المحيطة به بدقة وما إن يلمح فريسته حتى ينزلق بجناحيه بين الأشجار ثم ينقض عليها وهي في غفلة منه.
** **
salahalshehawy@yahoo.com